أخبار

الراية القطرية : موريتانيا ربيع ديمقراطي..أم تقاسم للمناصب والنفوذ ؟

أبدى العديد من المهتمين بالشأن الموريتاني مخاوفهم من تدهور الأوضاع نتيجة ما يعتبره البعض أزمة سياسية واجتماعية خانقة، وزاد من حدة تلك المخاوف النقص الكبير في الأمطار والمراعي لهذا العام، حيث يعتمد ما يقارب ثلثي سكان البلاد على تنمية المواشي وعلى الزراعة المطرية، وأطلقت عدة هيئات موريتانية من بينها أحزاب معارضة تحذيرات من احتمال حدوث مجاعة وطالبت الحكومة الموريتانية والجهات الدولية بالتدخل العاجل لمنع وقوع الكارثة.

في حين أعلنت الحكومة عن برنامج للتدخل ورصدت له مبالغ ضخمة ضمن ميزانية السنة الجديدة، وطمأن وزراء موريتانيون سكان المناطق المتضررة بشأن تقديم مساعدات لهم لتخفيف الآثار الناجمة عن نقص الأمطار، قال وزير التجهيز والنقل الموريتاني يحيى ولد حد أمين “إن الأموال موجودة لدى الدولة وسيرى المواطنون من خلال تدخل الدولة أنها موجودة وبكثرة في الساعة التي يحتاج إليها، مضيفًا أن “هذه السنة ستكون أفضل من سنوات الخصب الماضية لأن الميزانية التي رصدت لمواجهتها تضاعف ثلاث مرات ميزانيات آخر ثلاث حملات إغاثية مماثلة”.

وأضاف الوزير خلال مهرجان خطابي بمدينة تجكجه وسط البلاد ” إن الحوار الذي جرى بين الأغلبية وبعض أحزاب المعارضة جاء استجابة لترسيخ الديمقراطية كنقطة في برنامج الرئيس محمد ولد عبد العزيز، مضيفًا أنه لا مجال للمقارنة بين موريتانيا وأي دولة أخرى في إفريقيا أو العالم العربي”، وقال “إن موريتانيا أحسن حالاً من فرنسا في مجال تغطية الإعلام العمومي لمداخلات النواب حيث يبث في موريتانيا كل ما يقوله نواب المعارضة تامًا وبنسبة 100% في حين لا يبث لهم في فرنسا إلا حصتان أسبوعيًا”.

من جهة أخرى أعلنت السلطات الموريتانية مؤخرًا عن ترخيص خمس محطات إذاعية مستقلة، ومحطتين تلفزيونيتين، وقالت السلطة العليا للصحافة والسمعيات البصرية إن تلك المحطات فازت بمقاعد المناقصة التي أعلنت عنها قبل أيام في إطار تطبيق قانون تحرير الفضاء السمعي البصري. ورحبت أوساط إعلامية وسياسية موريتانية بالخطوة باعتبارها بداية مرحلة جديدة من حرية التعبير ونشر الثقافة الديمقراطية، فيما قللت أوساط أخرى من أهميتها معتبرة أن الإعلام الحكومي يبقى الأقدر على استقطاب الرأي العام في ضوء الوسائل المتاحة له بما في ذلك قدرته على الوصول لمصادر المعلومات.

– انقسام حاد بين قوى المعارضة

في هذه الأثناء واستجابة لمطالب الإصلاح السياسي والحوار بين السلطة والمعارضة توصلت أحزاب الأغلبية الموالية للرئيس محمد ولد عبد العزيز وأربعة من أحزاب المعارضة في ختام جلسات الحوار الوطني الذي استمر شهرًا كاملاً، إلى مسودة اتفاق تتضمن تعديلات دستورية وإجراءات قانونية لإضفاء مزيد من الشفافية والمصداقية على الحياة السياسية بما يضمن التناوب السلمي على السلطة بين القوى السياسية الموريتانية، لكن عددًا من أحزاب المعارضة الرئيسية قاطعت جلسات الحوار ورفضت نتائجه، فيما أشادت الأطراف المشاركة بتلك النتائج واعتبرتها إنقاذًا لموريتانيا من خطر الصراعات والحرب الأهلية. واعتبر قادة أحزاب المعارضة التي قاطعت الحوار أن” رفض ولد عبد العزيز لحوار وطني جاد هو ما جعل عشرة تشكيلات من المعارضة ترفض المشاركة في الحوار الذي جرى مؤخرًا بين الأغلبية وبعض أحزاب معارضة، مؤكدين أن مشكلة موريتانيا اليوم هي انسداد الأبواب أمام إمكانية أي تناوب على السلطة عن طريق صناديق الاقتراع” وأبدى زعيم المعارضة رئيس حزب تكتل القوى الديمقراطية أحمد ولد داداه عدم اهتمامه بقرار لجان الحوار، وقال إن من أهم أهداف السياسة في موريتانيا ومن أكثرها إلحاحًا في الوقت الراهن هو خروج الجيش من السلطة، “لأن الجيش عندما يدخل السياسة يدمر السياسة ويدمر نفسه”. وأوضح ولد داداه أن أي حوار بين النظام والمعارضة ينبغي أن يكون بين طرفين “لا أن يكون الهدف منه تبجيل وتأمين نظام بعينه”.

ومن جانبه وصف الرئيس الدوري لمنسقية المعارضة با ممدو الحسن رئيس حزب PLEJ ، بلاده موريتانيا بأنها “دولة مريضة ووصف “نظام ولد عبد العزيز بالفاشل في كل شيء وأنه حول الديمقراطية إلى دكتاتورية والتعددية الحزبية إلى نظام الحزب الواحد المستبد واستحوذ على كافة خيرات البلاد” وقال إن “التناوب السلمي على السلطة عن طريق صناديق الاقتراع أصبح مستحيلاً”.

وبخصوص موقف المعارضة من دعوة الرئيس ولد عبد العزيز إلى تجديد الطبقة السياسية، قال أحمد ولد سيدي باب، رئيس حزب التجمع من أجل الديمقراطية والوحدة، إن “هذا نموذج من الأفكار البدائية التي تنم عن بلادة الحكام، فتجديد الطبقة السياسية لا يتم بمرسوم ولا بقرار بل يخلق بممارسة الحرية بما يمكن الأحزاب في داخلها تدريجيًا من أن تنتخب في قياداتها الأحسن تمثيلاً وحرصًا على المصلحة العامة بغض النظر عن سنه”.

وتأسف ولد سيدي باب لما وصفه بـ”اغترار بعض الناس بهذا النوع من الأفكار مؤكدًا أن التجديد يأتي عبر الزمن والحرية والديمقراطية وقال إن التجديد ليس هدفًا في حد ذاته بل الهدف هو نخبة تبرز تدريجيًا تكون من أفضل الممارسين للسياسة وللاقتصاد وأكثر قدرة على الإدارة مطالبًا الشباب بعدم الاغترار بهذا النوع من الأفكار”. واعتبر النائب البرلماني محمد المصطفى ولد بدر الدين، نائب رئيس حزب اتحاد قوى التقدم، “أن الرئيس ولد عبد العزيز لاينتمي لهذه الطبقة وغير معني بتجديدها أو عدمه، وقال إن حديثه باسم الطبقة السياسية غير مقبول وعليه أن يتحدث باسم الجيش الذي ينتمي إليه.

من جهته اتهم رئيس مجلس النواب الموريتاني، رئيس حزب التحالف الشعبي التقدمي المشارك في الحوار، مسعود ولد بالخير رفاقه السابقين في منسقية المعارضة بالجنوح نحو العنف والثورة والدفع باتجاه حرب أهلية في موريتانيا. وقال ولد بالخير خلال مهرجان نظمته أحزاب المعارضة المحاورة بنواكشوط “نحن لم تفرقنا نتائج الحوار، بل تفرقنا حينما لمسنا من رفاقنا السابقين نزعة نحو العنف وتدمير البلد وجره للحرب الأهلية ببساطة لأنهم يكرهون ولد عبد العزيز وغير منشغلين بمصير الشعب أو سلمه الأهلي “.

وقلل ولد بالخير من أهمية الحديث المتصاعد حول نتائج الحوار من قبل أطراف المعارضة الأخرى قائلاً إن من روج لعدم جدية الحوار أو لخضوع ولد بلخير ورفاقه للنظام هو الكاذب والمخادع”. وأضاف ولد بالخير أن “هناك من يريد جر البلاد للحرب لبغضه للرئيس الموريتاني محمد ولد عبد العزيز، مؤكدًا أن عدم مجاراة أحزابهم لركب المناهضين لنظام عزيز ليس استسلامًا بل هو مسؤولية “ونحن مسؤولون نطمح لبناء الوطن”، لافتًا إلى أن هناك أحزابًا سياسية فشلت في إقامة الثورة بمشاركة كهولها وشبابها، واتجهت اليوم للطعن في نتائج الحوار وعدم وطنية المشاركين فيه”.

– الحوار طوق نجاة

يرى الكاتب والمحلل السياسي محمد المختار ولد محمد فال مدير صحيفة “النهار” أن هذا الحوار الذي دار بين السلطة وبعض أحزاب المعارضة يمثل طوق النجاة بالنسبة لجميع الأطراف المشاركة فيه، فقد خرج بخلطة تمس الشكل ولم تصل إلى الجوهر لصيانة ماء الوجه وللزهو بـ” إنجاز” يرد على دعاية ” المعارضة المتطرفة” ولتقديم مكسب سياسي يفاخر به النظام بعد سلسلة من الإخفاقات المدوية.أما المعارضون فحصلوا على صياغات لفظية يحاججون بها زملاءهم المقاطعين ويبررون بها خطوتهم الحوارية هذه لا أكثر ولا أقل، فالنظام لن يضحي بعناصر قوته ولن يقدم رأسه مقابل مكاسب ظرفية، لكنه يقبل بتنازلات تبدو في المظهر جوهرية لكنها في النهاية ستخدم بقاءه في السلطة وهو المطلب الرئيس لرأس النظام وبقية جوقته السياسية هذا بالإضافة إلى أن حجم الارتباك السياسي في موريتانيا والخوف من عدوى الربيع العربي أصبح أكبر مؤرق للسلطة من جهة ، بفعل عجزها العملي عن مواجهة مجمل المعضلات الوطنية والقضايا الشائكة المطروحة، لذا لابد لها من تجاوز عنق الزجاجة وعدم الخروج من الحوار بدون إنجاز يهدئ الوضع ويخفف من الاحتقان الذي ضاعفه وضع معيشي يتدهور باستمرار وجفاف يؤرق الحاضر والبادي”.

– الرافضون للحوار سيعترفون بنتائجه

ويرى الكاتب والمحلل السياسي الموريتاني سيدي محمد محفوظ أن “هناك ضبابية مازالت تلف المشهد السياسي في موريتانيا بسبب انقسام قوى المعارضة في هذا البلد بين متبنٍ للحوار مع السلطة وآخر معترض عليه، رغم إعلان المقاطعين للحوار عدم الاعتراف بنتائجه ، إلا أن الكثيرين في موريتانيا يعتقدون أن أحزاب المعارضة التي رفضت المشاركة في الحوار المذكور لن تذهب بعيدًا في رفضها لنتائجه وقد تضطر في النهاية لاعتراف غير مباشر بتلك النتائج كأمر واقع من خلال مشاركتها المتوقعة في الانتخابات البرلمانية والبلدية التي ستجري في الأشهر الأولى من السنة المقبلة حسب ما يتسرب من كواليس لجان متابعة نتائج الحوار.

ويضيف ولد محفوظ:”مهما يكن فنحن الآن أمام حالة انقسام حادة بين أهم أقطاب المعارضة في موريتانيا ممثلة في كل من رئيس البرلمان الموريتاني مسعود ولد بالخير المشارك في الحوار وزعيم المعارضة أحمد ولد داداه المقاطع له، وكل من هذه الأطراف يحتاج للطرف الآخر، والطلاق بينهما بشكل نهائي سيؤثرعلى كل منهما، ولا يستطيع أحد هذه الأطراف وحده أن يؤثر في الساحة بشكل كبير ويقنع جماهير المعارضة التقليدية دون التعاون مع الطرف الآخر”.

واعتبر الصحفي ولد محفوظ أن “انقسام المعارضة الموريتانية يمثل نجاحًا لنظام ولد عبد العزيز في تحجيم دور المعارضة التي كان طرفها المقاطع للحوار متأثرًا بتجربة التغيير في تونس ومصر ويسعي لتطبيق نموذجها في موريتانيا وإن لم يعلن عن ذلك بشكل واضح، وهذا ما حال دونه الحوار الذي نظمه النظام الحاكم وانقسمت المعارضة بشأنه بين مشارك ومقاطع”.

– الشارع ونتائج الحوار

وعلى مستوى الشارع اختلفت ردود أفعال الموريتانيين، باختلاف توجهاتهم وآرائهم، وقال محمد محمود ، (مدرّس 39عامًا) لـ”[“: “إن نتائج الحوار لا تمثل شيئًا بالنسبة للشعب الموريتاني الذي يعيش ظروفًا اقتصادية واجتماعية صعبة، حيث إن المستفيد الوحيد من تلك النتائج هي مجموعة قليلة من السياسيين أصحاب المصالح الذين اتفقوا على تقاسم المناصب والنفوذ فيما بينهم”، على حد وصفه. أما سليمان (سائق سيارة أجرة 53عامًا)، فيرى أن “البلاد تعيش ربيعًا ديمقراطيًا حقيقيًا، حيث تتاح للجميع الحرية للتعبير عن مطالبهم وآرائهم دون أن يتعرضوا للسجن أو الرمي بالرصاص كما يحدث في بعض البلدان العربية، وطالب سليمان، الموريتانيين “بضرورة أخذ العبرة واستخلاص الدروس مما حدث للشعوب التي دمرت بلادها بحجة البحث عن ديمقراطية مزعومة”، حسب قوله. ومن جانبها اعتبرت صفية (موظفة 45عامًا) أن موريتانيا تقدم نموذجًا رائعًا للانفتاح السياسي وحرية التعبير في العالم العربي، مشيرة إلى أن كل ذلك حدث بدون عنف أو ضحايا، وشددت المتحدثة صفية على ضرورة الانتباه والحذر ممن يسعون لإثارة الفتنة وجر البلاد نحو العنف والحرب الأهلية، وعبرت عن ثقتها بأن الموريتانيين على درجة من النضج والحنكة السياسية لم يصل إليها الكثير من إخوانهم العرب”.

– الراية ـ محمد عبد الرحمن

مواضيع مشابهة

أضف تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

Back to top button