أخبار

المدارس الأجنبية بموريتانيا .. ارتقاء بالتعليم أم تهديد للهوية؟

مع انتشار ظاهرة التعليم الخاص في موريتانيا على نطاق واسع وتزايد الإقبال على المدارس الأجنبية بوجه خاص، تكررت شكاوى المواطنين والدعاة من اتجاه بعض تلك المدارس للتنصير ومسخ الهوية الإسلامية وإفساد الأخلاق، وتحدث بعض الأهالي عن “تحريض أبنائهم على العقوق” بحجة ممارسة الديمقراطية وحرية التعبير، كما تتلقى بعض المدارس الأجنبية تهديدات من متشددين، وتباينت آراء الخبراء التربويين والقانونيين والأهالي ومسيّري المدارس الأجنبية حول الموقف.

“الراية” رصدت نماذج من تلك المواقف والآراء من خلال لقاءات أجرتها مع مختلف الأطراف المعنية بهذا الموضوع.
يرى عدد من الخبراء أن أهم الدوافع التي جعلت الموريتانيين يرسلون أبناءهم إلى المدارس الخاصة هو الواقع السيئ الذي يعيشه قطاع التعليم الرسمي في موريتانيا من ضعف في المستوى وفساد في الإدارة وإهمال طال مجمل مناحي الحياة التعليمية في تلك المؤسسات، لذلك لم يجد الناس بدا من التوجه إلى التعليم الخصوصي رغم صعوبة التكيف معه وتكلفته المادية الباهظة. ويقدر الباحثون أن نسبة المتعلمين في المدارس الخصوصية تصل 60% من المتعلمين عموما، وهو مؤشر يدل على انتشار هذا التعليم وأهمية وارتباط مستقبل الأجيال به. ويأخذ الباحثون على التعليم الخاص تغليبه عوامل الربح على التحصيل العلمي مما جعل منافسته للتعليم العام تتراجع باعتبار أن كثيرا من المدارس الخاصة لم تعد تطبق قاعدة التفوق والامتياز والنجاح بل مقولة “من يدفع ينجح”.

مدارس.. تتبع سفارات أجنبية .. بدون رقابة حكومية

وأكد الأمين العام لنقابة أساتذة التعليم الثانوي في موريتانيا الأستاذ محمدن ولد الرباني لـ “الراية ” إن التعليم في موريتانيا لا يقتصر على التعليم الحكومي بل إن المدارس الخاصة عرفت انتشارا واسعا في المدن الكبرى، وقال ولد الرباني إن تلك المدارس تنقسم إلى: مدارس وطنية خاصة وفي حكمها تلك المدارس التي يديرها أجانب وتلتزم بتدريس البرنامج التربوي الموريتاني وبالحصص المحددة لكل مادة، مثل مدارس برج العلم التركية. وهذه من المفترض ألا تفتح بدون ترخيص، كما أنها تخضع لوزارة التعليم، ولا يمكن لهذه المدارس أن تخرج عن النظام التربوي المطبق في البلاد، وتقول السلطات المختصة إنها ترفض الترخيص لأي مدرسة لا تتوفر فيها الشروط المطلوبة. و يضيف الأستاذ ولد الرباني أن “العديد من هذه المدارس يلتزم إلى حد كبير بتطبيق البرامج ولا تخرج عنها إلا في بعض التفاصيل الجزئية كزيادة وقت مادة وإضافة لغة، أما النوع الآخر من المدارس يضيف ولد الرباني “فهي المدارس الأجنبية؛ وهي المدارس التابعة للقنصليات كالمدرسة الفرنسية في نواكشوط وهذا النوع لا تفرض الوزارة عليه أية رقابة؛ بل تعتبره مؤسسات تعليمية خارج الأراضي الموريتانية؛ وهي تابعة لقنصليات بلادها وتدرس البرنامج الدراسي المتبع في تلك الدول”. ومنها أيضا “مدارس تدرس للجاليات الأجنبية مثل petit center وهذه ترسل لها الوزارة بعثات تفتيش للتأكد من عدم وجود موريتانيين بداخلها عدا الذين درسوا في الخارج كأبناء السفراء والذين يقطنون خارج الوطن، وهؤلاء يجب أن يثبتوا للوزارة أن أبناءهم بدؤوا دراستهم خارج البلاد وعليهم مواصلة البرامج التي كانوا يدرسون وفقها. وهذان النوعان من المدارس الخاصة يفتحان دون ترخيص من الوزارة”.

التعليم الأجنبي يخترق الهوية

يؤكد خبراء تربويون وقانونيون أن القوانين الموريتانية تحظر على الطلاب الذين يحملون الجنسية الموريتانية تلقي التعليم في مدارس لا تدرّس المناهج التربوية المحلية، لكن التعليم الخاص الوافد وجد رغم ذلك حظه الكبير من المرتادين، خصوصا في العاصمة نواكشوط التي يوجد بها الكثير من المدارس الأجنبية. فهناك مدارس أجنبية فرنسية مثل: ثانوية “تيودر مونو” التابعة للسفارة الفرنسية وقد سبق أن تلقت تهديدا من متشددين على خلفية ما وصفوه بـ “تربية شباب المسلمين على الكفر والإلحاد”. ومدرسة (petit center) التي يدرس بها عدد من أبناء كبار المسؤولين ورجال الأعمال الموريتانيين وهي فرنسية الهوية والمناهج، ويديرها السيد “بونافنتير تونيو” الذي يتهمه البعض بأنه ذو خلفية مسيحية.

وترى مديرة أحد فروع هذه المدرسة الذي يطلق عليه “قطب ريتشارد بورهينغر” ويقع في أحد الأحياء الراقية بنواكشوط، وهي أجنبية تدعى ساره فيليبوتزي، أنه “في ظل وفرة المدارس الجديدة يوجد بالفعل من يحاول بطريقة أو بأخرى تقديم تعليم جيد”. وبخصوص الفرع الذي تشرف عليه تتابع قائلة: “وُلد هذا الفرع منذ ثلاث سنوات والبرنامج المقدم فيه مستنبط من النظام التعليمي الفرنسي. و في هذا العام وصلت دفعته الأولى الصف السادس ثانوي”. من جانبه، قال السيد آدم سي مدير الدروس بمدارس ” petit center ” الفرنسية في نواكشوط في تصريح لـ “الراية” “إن التعليم الأجنبي في موريتانيا يخصص حصصا لمادتي اللغة العربية والتربية الإسلامية وخصوصا لأبناء الموريتانيين، مضيفا أنهم يتعاونون مع مدرسين موريتانيين على ذلك الأساس مع اعترافه بأن “مجمع مدارس” petit center ” ” الذي يعمل في موريتانيا منذ 26 سنة ، يعتمد على برنامج تعليمي غير مرتبط ببرنامج التعليم الرسمي في موريتانيا مثله مثل كل المدارس الأجنبية العاملة في موريتانيا”، ويضيف آدم سي أنهم “يستهدفون بالأخص أبناء الجاليات الأجنبية المقيمة في موريتانيا لكنهم يفتحون أبوابهم لتعليم الجميع بمن فيهم أبناء موريتانيا الذين يقبلون على التعليم الفرنسي الحر لجودة مستواه” على حد تعبيره.

وأكد آدم سي في حديثه مع “الراية ” نفيه لكل الاتهامات المتعلقة بارتباط بعض المدارس الأجنبية هناك بجهات مسيحية مشددا في نفس الوقت على أنهم “يتفهمون وضع التلاميذ الموريتانيين ويخصصون لهم دروسا في اللغة العربية رغم أن أكثر من 80% من البرنامج يدرس باللغة الفرنسية مثل كل المؤسسات التعليمية الأجنبية التي تعتمد الفرنسية بالأساس”.

نداءات استغاثة لتدارك الموقف

من جانبه قال الأمين العام لنقابة المعلمين الموريتانيين الأستاذ عبد الله لقمان في حديث لـ “الراية” إن المدارس الفرنسية لا تخضع للبرامج الرسمية ولا للقوانين الموريتانية، مضيفا أن هذه المدارس تتسبب في مشكلة للتلاميذ الموريتانيين لاعتمادها الكامل للغة الفرنسية، ما يسبب صعوبات كبيرة للطلبة في الامتحانات الوطنية التي تعتمد العربية كلغة أساسية.

ويؤكد ولد لقمان أن “هناك من يتهم بعض تلك المدارس بالسعي لتنصير التلاميذ وإن كان هذا الاتهام لم يتأكد لدينا لحد الآن”، مشيرا إلى أن ” المدارس الأجنبية تستغل تدهور مستوى التعليم العمومي في موريتانيا لفرض رسوم باهظة، مع الاعتقاد أنها لا تتفوق في المستوى والأداء على مدارس التعليم الخصوصي الموريتاني، التي تعاني هي الأخرى مشاكل من بينها عدم توفرها على بنايات ملائمة للتدريس، كما أن رجال الأعمال الموريتانيين مازالوا يعزفون عن الاستثمار في هذا القطاع ما شجع المدارس الأجنبية على أن تستثمر فيه وتدخل على خط المنافسة بشكل كبير.

وينبه الأستاذ ولد لقمان في ختام حديثه لـ”الراية” إلى أن “التعليم في موريتانيا يحتاج إلى تحديث للمناهج والبرامج، كما يحتاج المدرس العمومي للتحفيز والرفع من كفاءاته الفنية ووضعه في مستوى مريح يمكنه من التفرغ لمهنته الأصلية”.
في السياق ذاته ترى الشاعرة والباحثة زليخة بنت الحامد في حديث لـ الراية أنه “من منطلق الغيرة على شبابنا ولغتنا العربية فإنه من الواجب التنبيه على الدور المتنامي للمدارس الخصوصية الأجنبية التي أصبحت تغزو مجال التعليم في بلادنا ، مع العلم أن الكثير من العلوم ترتبط أساسا باللغات الأجنبية واللغة هي مفتاح الانفتاح على كافة الحضارات بأطوارها ويجب الاهتمام بهذه اللغات لكن لا ينبغي أن يكون ذلك على حساب هويتنا الإسلامية وأصالتنا العربية”.

وتضيف بنت الحامد أن “إقدام المواطن الموريتاني المسلم على تدريس أبنائه في مدارس أجنبية مخصصة أصلا للجاليات الأجنبية وتدرس حضارات تلك البلدان وتاريخها و ديانتها، يعتبر ظاهرة مشينة وغير مناسبة وتجب محاربتها مع لفت الانتباه إلى أنهم يدعون تدريس اللغة العربية” وتضيف: ” لكنني اطلعت بشكل شخصي على برامجهم فصدمت كثيرا ولا أعتبر أن من يدرّسون أبناءهم بهذه المؤسسات ينتبهون لخطورة ذلك عليهم وعلى البلد”.

السيدة فاطمة، وهي موريتانية تعيش في قلب العاصمة نواكشوط بالقرب من مقر السفارة الفرنسية، سألناها عن رأيها في التعليم الأجنبي فقالت؛ إن “هناك مدارس تابعة لأجانب وخصوصا من الدول الغربية ودول أخرى تعتنق دينا غير ديننا الحنيف، وعلى الدولة أن تسهر على إلزام هذه المؤسسات الوافدة بالنظام التربوي الوطني وألا تترك لها المجال لتزرع ما تريد من قيم غربية وغريبة على المجتمع في ناشئتنا، وخصوصا مدرسة السفارة الفرنسية فهي مدرسة مسيحية بامتياز وكثيرا ما سمعنا شكاوى منها في مجالات تتعلق بالعقيدة.. وهذا يشكل خطرا على الهوية واللغة والدين ويفسد مستقبل الأطفال”. والغريب في الأمر ـ تقول فاطمة ـ أن “بعض المصادر أكدت أن المدارس الأجنبية لا تتوفر على تراخيص مزاولة التدريس، لأنها لا تعتمد المنهاج التربوي الوطني”.

المدرسة التركية لا تشكل خطرا والسودانية..وطنية بامتياز

وبالإضافة لذلك توجد مدارس أخرى كمدارس برج العلم التركية، والمدرسة السودانية، ومعاهد ومراكز ثقافية أخرى إلا أن الموريتانيين يرون أن الخطر الحقيقي هو من المدارس الغربية وخصوصا الفرنسية التي تعتمد لغة الاستعمار وتسعى لنشر قيم لا تتماشى مع دينهم الحنيف.

فالمدرسة التركية ـ برج العلم ، ومركز حراء الثقافي التركي ـ هي مدارس مملوكة لدولة إسلامية، وإن سعت لشيء فإنما هو لنشر لغتها وتصدير ثقافتها العثمانية للمغرب العربي، وهو أمر يرى المراقبون أنه مثير لكن خطره أقل بكثير من خطر المدارس الأجنبية الغربية.

أما المدرسة السودانية فهي تعتمد منهاجا يشبه إلى حد ما نظام المحظرة الموريتانية في التدريس وتدرسه بالعربية ـ ولذلك فهي في نظر الموريتانيين مدرسة وطنية بامتياز.

الرايةـ محمد عبد الرحمن

مواضيع مشابهة

أضف تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

Back to top button