أخبارأخبار عاجلةثقافة وفندوليعربيمقالات

تقرير استشرافي: مستقبل الأمن والإستقرار فى الساحل الأفريقي*

أنباء انفو- يتبع السياق الساحلي في عام 2024 مسارًا متدهورا، بسبب العديد من الديناميكيات التي يهيمن عليها تكرار الأسباب، وترابط التعارضات وتعقد التناقضات. يحمل النصف الأخير من عام 2024 احتمالاً معقولاً للوحشية الكاملة، من الجميع ضد الجميع، في تبادل كامل:
1. تكثيف العنف
سوف يستمر تنظيم الدولة الإسلامية في الصحراء الكبرى (EIGS)، ومجموعة نصرة الإسلام والمسلمين (GSIM، التجمع المنضوي مع تنظيم القاعدة)، وبوكو حرام، في توسيع نفوذهم نحو المساحات الريفية. سوف يزيدون الحصار على المدن المتوسطة الحجم مستخدمين العديد من أحصنة طروادة هناك.
منذ بداية العام، واصل التنظيمان الجهاديان المتنافسان تعزيز قدراتهما على التجنيد، بسبب الهزائم المتلاحقة لقوات الدفاع والأمن (FDS) وكذلك بسبب الأخطاء الفادحة المنسوبة للجنود ولكيانات الدفاع عن النفس أو المليشيات والمرتزقة الأجانب، وما زاد من ضعف معنويات الجيش عدم ثقة قطاع واسع من الشعب في مقدرته أو استعداده أصلا لحماته.
من الواضح أن الهجمات الانتقامية ستتصاعد بما فيها العمليات الانتحارية فضلا عن الكمائن، والهجمات الخاطفة، لا سيما داخل المناطق الحدودية (ليبتاكو-غورما).
ومع تصاعد عمليات تنظيم الدولة ،فإن حركات التمرد -التي لا صلة لها بهذا التنظيم- ستشهد تصاعدا هي الأخرى، مما يفاقم وضعية قوات الجيش والأمن ويضعها في دائرة رد الفعل.
ستتمكن تلك الأطراف؛ بفعل التخطيط المحكم للعمليات والخبرة في التضاريس -الذي تتفوق فيه على الجيش وقوات الأمن- من تحقيق مكاسب ميدانية معتبرة
وسيتكثف استخدام الألغام المضادة للأفراد على الشوارع ومسارات الآليات العسكرية بما فيها ناقلات الجند، كما ستتكثف الهجمات على الثكنات والمعسكرات، وكذلك على قوافل الإمداد.
ستواجه السلطات المعنية في اتحاد دول الساحل (CES-ex AES)، التي ضعفت بعد عقود من تزوير الانتخابات والفساد والفقر، يومًا بعد يوم تحديًا هائلاً يتمثل في الحفاظ على أراضيها.
إن فشل المجالس العسكرية الحاكمة؛ والخلاف الداخلي الناتج عنه؛ يهددان بتحويل الانتباه عن الحرب ضد الإرهاب. وسيؤدي ذلك إلى تراجع أكثر خطورة في قدرة هذه الأنظمة الاستثنائية على الحصول على دعم فعال من الخارج، في إطار الشرعية.
ستشكل الموارد الاستخراجية (مناجم الذهب والنفط) بحلول عام 2025، المورد الحصري لشراء المعدات الفتاكة من الصين وتركيا وروسيا. وسيترسخ اقتصاد الحرب، على خلفية الركود وأنشطة السوق السوداء والاقتصاد الموازي، وسيؤثر ذلك تأثيرا بالغا على عمل القطاع الخاص، مما ينذر بصعوبات معاشية تهدد مستقبل التماسك الاجتماعي.

3. الحد من الوجود الدولي التقليدي.
إن انقطاع دعم الاتحاد الأوروبي ومساعدات الولايات المتحدة الأمريكية وخروج قوات حفظ السلام التابعة للأمم المتحدة، يخلق فراغًا لا تستطيع قوات الجيوش المحلية بالتحالف مع الميليشيات الروسية (الفيلق الأفريقي السابق لفاغنر) أو تلك التركية (السادات) ملأه.
وعلى الرغم من الزيادة المستمرة في مشتريات المعدات الهجومية، وخاصة طائرات الاستطلاع والطيران الهجومي المسير، فإن وحدات النخبة في اتحاد دول الساحل (CES) غير قادرة على تحقيق النصر المطلوب رغم التفوق الجوي.
وعلى الرغم من كفاءة الطيران المسير في قلب قواعد اللعبة في العديد من ساحات القتال (أوكرانيا، وإثيوبيا، والشرق الأوسط)، إلا أنه ما يزال بعيدا عن تحقيق النصر المطلوب على الحركات الجهادية التي تزداد شراسة يوما بعد يوم.
وستواصل حركات التمرد -غير الجهادية- مساعيها لامتلاك طيران مسير وصواريخ بسيطة من مصادر دعم مختلفة لتعزيز تسليحها المعتمد على الغنائم التي تحصل عليها من الجيش المهزوم، وهي الغنائم التي تضاعفت في معارك يوليو وأغسطس 2024.
4. الكراهية بين المجتمعات.
ستتصاعد الكراهية لتزيد الاحتقان والتوترات الاجتماعية، وسيتعزز الفقر بشح الغذاء الناتج عن تراجع وتزايد التصحر وشح المياه وندرة الموارد الطبيعية بصفة عامة.
إن ظهور المليشيات تحت شعارات الدفاع ن النفس من شأنه زيادة الكراهية الاجتماعية وتصاعد جرائم الثأر والتصفيات الوحشية بين الجماعات المدنية، على أساس العرق، وسيكون للاختلافات المذهبية والمزايدة بين الأصوليين السنة فيما يتعلق بسير القتال وتطبيق الشريعة الإسلامية، دور لا شك في تعزيز تلك الكراهية.
5. حكومة الهشاشة المتعددة الأبعاد.
تشهد منطقة الساحل حالة طوارئ تفرضها الطبيعة المناخية وهي حالة ستتعزز، وستؤدي حتما إلى نزوح الملايين من القرويين والبدو ومن في حكمهم للعيش في أحزمة بؤس حول المدن، مما يزيد احتمالات وقوع حروب عصابات في كبريات المدن بسبب تسلل عناصر من الجهاديين والمتمردين في سياق النزوح غير المنظم.
ولن يكون بإمكان الدولة في الساحل تقديم حماية اجتماعية وأمنية لمواطنيها في تلك الظروف وسيشكل ذلك النزوح واللا أمن ضغطا هائلا الأنظمة الصحية وما تبقى من تعليم هش وفاشل.
إن عدم الاستقرار في السودان وعدم اليقين بشأن مستقبل تشاد من شأنه أن يوسع سلسلة الأزمة المستمرة، من ساحل خليج غينيا إلى الشواطئ الأفريقية على البحر الأحمر. ومن غير المرجح أن تتخذ الجماعة الاقتصادية لدول غرب أفريقيا، أو الاتحاد الأفريقي، أو الأمم المتحدة أي مبادرة جوهرية من شأنها أن توقف حالة الانهيار الماثلة للعيان.
صحيح أن دول الساحل الثلاثة تغرق في عزلة دبلوماسية وعسكرية بالكامل، في ظل تنافس محتدم بين روسيا والصين لزيادة حضورها العسكري، من خلال الحصول على نصيب الأسد من الصفقات العسكرية والتسليحية تحديدا مع تلك الدول.
ومع ذلك، فإن تدخلات هذه القوى تزيد من التوترات الجيوسياسية وتعقد حل الصراع. ويصبح دور القوى البديلة للغرب حجة رئيسية للتعقيد والوقود الرئيسي للتدمير لأنه يمنح الجهاديين والمتمردين فرصة لتمويق منتجاتهم الأيديولوجية بزعم التدخل الأجنبي المصاحب للفشل التنموي وانعدام الأمن.
6. الخراب وممارسةسياسة النعامة (دفن الرأس في الرمال).
ومن المتوقع أن يتدهور الوضع في منطقة الساحل في عام 2024. إن تصاعد الاشتباكات، وضعف الحكومات، وانتهاك كرامة الأفراد، وانعدام الدعم الدولي، أصبح الآن أمرا لا مفر منه. فالجهاديون وحلفاؤهم الموضوعيون من مختلف الثورات (مالي والنيجر وبوركينافاسو) يحكمون بحكم الأمر الواقع مناطق في توسع لا يمكن كبحه. إن التغييرات في القيادة على القمة، والتي قد تنجم عن الإجماع على نهاية المرحلة الانتقالية أو انقلاب داخل انقلاب، لا تهم – فاتحاد دول الساحل يتطور نحو ثيوقراطية ناشئة، تشابه طالبان.
ولم يعد هناك أي عامل هيكلي للاستقرار يعارضها، ولا حتى تحالف دولي بعيد الاحتمال. وتؤثر العدوى المستمرة، وبكثافة متزايدة، على مالي والنيجر وبوركينا فاسو. أبعد من ذلك، فإن نشر التهديد هو مسألة وقت فقط. ولا أحد يتخيل اليوم حجم تدفقات الهجرة هذه أو تأثيرها على توازن غرب أفريقيا، أو حتى القارة بأكملها.
وتحت عقوبة الإهمال المميت، فإن الواقع يفرض على العالم الاستعداد لنشوء منطقة ساحلستان المستقبلية، ربما اعتباراً من عام 2025. ومن المؤسف أن مستوى الوعي الإنساني في مواجهة ما هو واضح وخطر وشيك، يبدو أقل بكثير من الحد الأدنى. الترقب مطلوب.

 

*دكتور عثمان ديكو- 16 أغشت 2024.

مواضيع مشابهة

أضف تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

Back to top button