مقالات

قصة وليّ صالح عاش 10 سنوات خارج محيط البشر

لو أن الفيلسوف والأديب ابن طفيل عاصر القرنين الماضيين لما اتخذ من القصة الأسطورية حي بن يقظان مادته لتأليف تلك القصة الشهيرة التي تتحدث عن شخص تربى مع حيوانات ووحوش الغابة، لأن قصة سيدي هدارة، الولي الصالح، بإمكانها أن تكون مادة خصبة للكثير من الأدباء والفلاسفة والمفكرين، لأنها تميزت بكونها ليست أسطورة من نسج الخيال بل واقعٌ لا يزال سكان المناطق الصحراوية بكل من تندوف وموريتانيا والصحراء الغربية يتداو لونها تبركا بشخصية هذا الرجل الصالح.

تختلف قصة هدارة عن القصص التي سبقتها كقصة “طرزان” و”موجلي” و”حيّ بن يقظان”، في أنّها حكاية واقعية أضافت حقيقة إمكان التعايش بين الإنسان والحيوان، في تجربة هذا الإنسان الذي كانت أرضه أشبه بالفضاء الخالي، فقد كانت الصحراء الإفريقيّة الكبرى أرضا سائبة تنتشر في عرضها القبائل، دون حام أو سلطة تنظم شؤون حياتهم القاسية، حيث كان الاحتلال الإسباني والفرنسي، منشغلا عن حماية الأفراد، بنهمه الكبير في سرقة ثروات البلاد العربية الواقعة شمال إفريقيا. ولا تزال الكثير من روائع القصص الشعبية الشفوية تنتظر على الأقل من يدوّنها، وليس كتابتها في أعمال روائية لتأريخها وحفظها، كما فعلت “زاك” مع رواية “ابن النعام”، فلولا جهود الكاتبة الصحفيّة “مونيكا زاك” لكتابة هذه القصة، ربّما لم نكن لنحصل على هذه الرواية من أيّ كاتب عربيّ، بالرغم من أنّها اشتهرت في الأوساط الأدبية. وبفضل محبي السياحة والمغامرات، الذين يبحثون عن أسرار بني الإنسان في كلّ بقاع الأرض، ويقدمونها للناس ليطلعوا عليها، ويتعلموا من تاريخها.

تروي عنه بعض الوثائق التي تحصلنا عليها بأن هدارة تاه في الصحراء وعمره سنتان إثر هجوم أعداء على قبيلته فوجد نفسه في البراري فتربى مع طيور النعام عشر سنين. ولما عثر عليه أهله بعد طول بحث، كان عمره آنذاك 12 سنة وكان لا يعرف الكلام فأخذه أهله إلى الساقية الحمراء حيث زاوية ماء العينين الذي كان عالما وصاحب حكمة فمسح على رأسه وابتسم له وقال لأهله: اربطوا قدميه بحبل ودلوه معكوسا في قعر بئر في الصحراء. فلما فعلوا ذلك صرخ هدارة من الخوف ومن ثم تعلم الكلام فاندمج مع المجتمع وصار يحكي أحداثه وقصصه مع الأسود ووحوش الصحراء وكيف حفظه الله تعالى فكان آية من آياته.

تقول بعض الوثائق التي دونت عنه إن أصله بربري من قبيلة إيدوشلي وقبره يتواجد قبل تندوف بـ 50 كم تحت شجرة طلح. وإلى حد اليوم كتب عن سيرته الذاتية العدد القليل من المهتمين، من بينهم الطالب سالم بن إبراهيم، تلميذ سيدي محمد بلكبير شيخ زاوية أدرار. وقد أملاها عليه هو نفسه في مدة قاربت الشهر. كما كتبت قصته السويدية مونيكا زاك في شكل رواية سمتها “الولد الذي عاش مع النعام”، بعد أن سمعتها من ابنه أحمدو الذي التقته عام 1993 بمخيمات تندوف. وقد ترجم كتابها هذا إلى العربية وطبع بمكتبة القصبة بالجزائر عام 2007 م.

ومن الكرامات والأمور العجيبة التي حدثت للولي الصالح سيدي هدارة ما قيل إنه كان إذا كسر الزجاج بجانبه يأكله ولا يحدث له أذى. كما أن لحيته شابت دون شعر رأسه، فلما سئل عن ذلك قال: إن الشيخ ماء العينين مصطفى بن محمد صاحب زاوية السمارة بالصحراء الغربية قد مسح بيده الشريفة على رأسه فلم يشب رأسه ببركة الشيخ ماء العينين.

كما روي عن هدارة أنه كان يأكل الحنظل وشوك شجر الطلح ولا يؤذيه ذلك. وقد ترك أولادا منهم من يسكن حاليا في تندوف، ومنهم من يسكن في موريتانيا، له أحوال مثل والده. وقد حج هدارة حافي القدمين كما تظهره الصورة ماشيا ولم يركب مركبا.

وحاليا توجد صورة عنه مرفوقة بمختصر عن سيرته ببعض محلات التصوير وبعض الباعة الذين يجلبون السلع من تندوف.

كما قامت بترجمة هذه الرواية إلى اللغة العربية المترجمة “مونيكا زاك” مؤلّفة هذه الرواية. وهي صحفيّة سويديّة تعمل لمصلحة جريدة “غلوب” السويديّة من الجزائر. كانت تهتم بنشر الحكايات الشعبيّة التي تروى في الجزائر عن السحر والجنّ، عبر خبرتها الصحفيّة وطبيعتها الاستشراقيّة، وكانت تجمع هذه الحكايات لتؤسّس قاعدة خياليّة كافية لإبداع رواية تصف وترسم وتقدّم شخصيات عاشت حياة سرياليّة خياليّة، فسمعت بقصّة الطفل هدارة، وقرّرت البحث حوله وعن حياته، وجمعت كلّ المادّة المتوافرة حوله، حيث قام التلفزيون الجزائريّ بإعداد روبورتاج صحفيّ مهمّ عن قصّة هدارة، واندهشت “مونيكا زاك” كثيرا عندما أرشدها الناس في الصحراء الغربيّة إلى “أحمدو هدارة” ابن “هدارة ابن النعام”، حيث تحوّلت القصّة في ذهنها من الخيال إلى واقع يسرده أحمدو هدارة أقرب الناس إلى الراحل هدارة، الذي تتحدث عنه كلّ أسرة في الصحراء الغربيّة.

وفي انتظار أن تحظى هذه الشخصية الأسطورية الفريدة بدراسات كبار المفكرين واهتمام المخرجين السنيمائيين تبقى قصة هدارة الذي عاش مع النعام القصة الوحيدة من هذا النوع التي قد يسجلها التاريخ بدلا من قصة حي بن يقظان التي لا تتعدى كونها أسطورة من وحي فلسفة بن طفيل.

الامصدر – الشروق(الجزائرية)

مواضيع مشابهة

أضف تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

Back to top button