مقالات

موريتانيا.. رمال متحركة تبتلع الرؤساء والانتخابات لا تشفع لأحد

موريتانيا.. رمال متحركة تبتلع الرؤساء والانتخابات لا تشفع لأحد

رزان عمران- صحيفة تشرين

صناديق الاقتراع لا تدرأ عنك نيران العسكر.. «خلاصة» لم يواجهها قادة الانقلاب الموريتاني الجديد للرئيس المخلوع محمد ولد الشيخ عبد الله فحسب، بل لكل موريتاني يفكر بملء هذا المكان الذي يسمى منصب الرئيس دون أن يضيف الى القسم الرئاسي ضمناً عبارة «إن شاء الجيش».

ينفي الجنرال محمد ولد عبد العزيز الذي بات الآن رئيساً للمجلس الأعلى للدولة، ان يكون هذا هو القصد من الانقلاب على ثاني رئيس مدني منتخب في موريتانيا، ويقول: إنه وشريكه قائد الجيش محمد ولد الغزواني قاما برد فعل على فشل الرئيس في تسيير شؤون البلاد التي بدت عاجزة اقتصادياً ومعطلة مؤسساتيا، يكاد التواصل بين رئيسها وبرلمانييها يكون حوار طرشان، أو ليس هؤلاء البرلمانيون هم من أوصلوه الى السلطة؟ ‏

بهذه الحجة رد الجنرال على التنديد الدولي و«الموقف» العربي الذي لم يتعدّ وضع الاستفسار عما يحدث، لكن هذا الرد المتحجج بالديمقراطية في وجه التنديد الدولي المتذرع بالقلق على الديمقراطية أيضاً، لم يبد مقنعاً جداً في بلد اقصى قادة جيشه المتعاقبون ستة رؤساء، كان معاوية ولد الطايع أطولهم عمراً في الحكم «1992 ـ 2005». ‏

على أن تجارب الانقلاب السابقة التي هدفت غالباً الى مجرد الوصول للحكم ليست وحدها مبرراً للتشكيك في حجج الانقلاب الأخير، لأن الوقائع التي سبقته، بل فترة الرئيس المخلوع كلها كانت تنبئ بصدام مقبل مع الجيش الذي لم يرق لجنرالاته أن يتحكم بهم رجل وصل بدعمهم الى السلطة في آذار 2007، عبر بطاقات اقتراع خُيّل للموريتانيين أنها تذكرة عبورهم من مرحلة الانقلابات دون عودة. ‏

ولأن اعتقاداً كهذا يعد ترفاً في موريتانيا، فضل الرئيس المنتخب تفادي إثارة الجنرالات عليه لأي سبب، فلم يشرك في السلطة من يثير حفظيتهم، وكافأ الجنرال ولد عبد العزيز بتعيينه قائداً للحرس الرئاسي، أقوى فرق الجيش، ولم يتدخل حينما اجتمع الأخير برئيس الحكومة المكلف وقتها الزين ولد زيدان لـ «نصحه» في ما يجب فعله. ‏

شهر العسل لم يدم طويلاً، فقد جاءت الخطة الأولى باستقالة حكومة زيدان على خلفية اتهامات بسوء الأداء، ليكلف يحيى ولد أحمد الواقف في أيار 2008 بتشكيل وزارة أبقى ولد الشيخ عبد الله فيها على وزيرين مقربين من الجيش لكن سوء الأداء استمر وفاقمه خصوصاً غلاء الغذاء على الموريتانيين الذين يعيش معظمهم دون خط الفقر، إضافة الى بروز خطر السلفيين أكثر فأكثر ما حمّل الحكومة عبئاً أمنياً ضاعفته المطالب الأميركية ـ الأوروبية لنواكشوط بدور فعال في الحرب على الارهاب جبهة شمال افريقيا. ‏

لم ترغب المؤسسة العسكرية بالصبر أكثر، وتأزمت العلاقة شخصياً بين الرئيس ورئيس حرسه لينعكس ذلك في اتخاذ قرار ضمني بالتمهيد لإضعاف الرئيس في ظل الاستياء الشعبي من الحكومة، وكان تجميع النواب المعارضين لولد الشيخ عبد الله وسيلة الضغط التدريجية الأمثل بيد الجيش للتضييق على الرئيس خصوصاً بعد حدوث ما اعتبره الجنرال ولد عبد العزيز اهانات وجهت له من بعض رموز الحكم على صعيد تهميشه والتصرف دون اسشارته. ‏

ولعل ما اربك الرئيس أكثر ومنعه من إحداث التغيير الحكومي المطلوب، إقامة الاعتبار لمخاوف فرنسية ـ اسبانية من أي تغيير قد يقود الى عدم استقرار السلطة في موريتانيا أو ضعفها، وإحداث فراغ يكون خير مناخ للارهاب، لكن مراعاة هذه المخاوف كلفت ولد الشيخ عبد الله ازدياد الهوة بينه وبين البرلمان وصولاً الى اتهام مجلس الشيوخ لزوجة الرئيس بالاثراء غير المشروع، وما تلا ذلك من استقالات جماعية من حزب الاغلبية الحاكمة «عادل». ‏

وأمام قرار ولد الواقف بالاستقالة من تلقاء نفسه مفضلاً عدم الصدام مع النواب، اضطر الرئيس الى تسليم ولد عبد العزيز وولد الغزواني مهمة اسناد تشكيل الحكومة، فكلفا ولد الواقف مجدداً شريطة استبعاد اليساريين والاسلاميين الموالين للرئيس، فحوصر الأخير بحكومة ليس فيها إلاّ القليل من مؤيديه. ‏

ومثّل قرار /55/ نائباً ببحث تشكيل محكمة تخوّل محاكمة رئيس الجمهورية ضغطاً مضاعفاً على ولد الشيخ وصل ذروته في انشقاقات حزبية أفقدت الرئيس ورئيس وزرائه الأغلبية في البرلمان، ما حدا بالرئيس الى المغامرة بمرسوم إقالة الجنرالين المؤثرين لدورهما بالانقلاب التدريجي غير المباشر عليه من خلال البرلمان، فكان ان عجل ذلك بالانقلاب المباشر الصريح «الأبيض»، باختصار.. الانقلاب بحلته المورتيانية. ‏

قد يطبق ولد عبد العزيز وعوده الايجابية وقد تحمل الانتخابات المقبلة وصناديق الاقتراع الخير لموريتانيا، لكن اغلب الظن ان الناخبين سيكونون واثقين حتى وهم «يختارون» ان كلمتهم لن تكون الأخيرة. ‏

مواضيع مشابهة

أضف تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

Back to top button