الإذاعة … وخروج القطارعن السكة / يحيى بن حدى
قبل أيام عقدت ندوة حول البخاري فى إذاعة القرآن الكريم، وحضرها جمع من الناس ، شكر الله سعي من سعى فيها بخير .
وكان الظن أن تكون تلك الندوة مثلا يحتذى به فى الاحتفاء بأهل الله ، أهل القرآن، وأهل الحديث، لا عتبارات لا تخفى على أحد ، كونها عن حديث النبي صلى الله عليه وسلم وترعاها
إذاعة القرآن الكريم ، وفى بلد إسلامي مائة بالمائة ، وموضوعها يفترض أن يكون ربانيا بامتياز.
وماكان على المشاركين إلا أن يحمدو الله على الفرصة السانحة واغتنامها بمهنية وصدق ، ورعايتها حق رعايتها ،
قد قربت لك المراقى فارتقى = ونثر الدر لديك فانتقى
غير أن الندوة أخذت منحى مؤسفا لم يكن متوقعا بادئ ذى بدء، وكأنها أعدت لهدف غير ما يظهر من عنوانها حيث قدم تقريرغيب عنه الحاضر الأبرز فى خدمة صحيح البخاري (كوثر المعانى الدرارى فى كشف خبايا صحيح البخارى)
ذلك الكتاب الذى يغنى عن غيره من شراح البخاري ولا يغنى عنه سواه بشهادة كبار المحدثين والعلماء المحققين
نهر يهيم بحسنه من لم يهم ويجيد فيه الشعر من لم يشعر
للمحدث الحافظ الشيخ محمد الخضر بن مايأبى الجكني فجاء التقرير ترجمانا واضحا عن ورطة الندوة ، وسقوطها أول وهلة (أول الدن دردى )
صدم المتابعون من تصرف كهذا، فى إذاعة القرآن الكريم بحق من خدم السنة فأحياها ، وخصوصا البخاري.
فنبه أحد الحاضرين على ذلك وذكر (والذكرى تنفع المؤمنين ) فأعرب كتابة ومشافهة عن عبثية الندوة فى ظل تجاهل كتاب “كوثرالمعانى الدرارى فى كشف خبايا صحيح البخارى” دون جدوى فبدا أن الأمر مخطط له سلفا وبمباركة من الإذاعة إن جاز التعبير بالبركة ومشتقاتها فى مقام الجحود والتجاهل والكفران والقفز على الثوابت والقيم ، لم يجد نفعا ذلك النداء والتبيه، فلم يجد آذانا صاغية، ولا قلوبا صافية ، فظهرت أعراض الأمراض عند الإعراض عن دور الرجل الريادي فى هذا الموضوع،
فكان ما كان ،
ولا باس، نتفهم ذلك
قد تنكر العين ضوء الشمس من رمد = وينكر الفم طعم الماء من سقم
إذا لم تكن للمرء عين صحيحة = فلا غرو أن يرتاب والصبح مسفر
ولكن لاباس كذلك
من كان فوق محل الشمس موضعه = فليس يرفعه شيءولا يضع
غاض الوفاء وفاض الغدر وانفرجت = مسافة الخلف بين القول والعمل
وشان صدقك الناس كذبهم = وهل يطابق معوج بمعتدل
لم ينته الأمرعند هذا الحد، بل إنه ذهب إلى أبعد مدى فى الخروج على الأعراف والتقاليد وأدب المجالس العلمية وغير العلمية العادية فى عدم احترام رموز الأمة أهل الله أهل القرآن وأهل الحديث بالقفز والتنكر، والتجاهل أحيانا ، بل والسعي لمصادرة وانتزاع فضائل القوم تارة أخرى، بدا ذلك جليا عندما أخذ محدث الإذاعة -الذى يفترض أن يرقب إلا وذمة – بيتا شائعا من قصيدة بديعة للعلامة باب بن الشيخ سيدى فى الشيخ محمد حبيب الله بن مايأبى وسطا عليه غير آبه ولامبال وحرفه عن عمد وإصرار ليخلعه على الإمام البخاري لحاجة فى نفسه هو فقال
إن الزمان إذا يأبى وجود فتى = مثل البخاري لم يعدد من اللؤما
نبه على ذلك فأعاده بطريقته ليكشف عن وجهه الحقيقى وهدفه من تلك الفعلة
إن هذا لشيء عجاب
فإن كنت لا تدرى فتلك مصيبة = وإن كنت تدرى فالمصيبة أعظم
علما أن البيت مشهور من قصيدة أشهر
منها
حيا الإله حبيب الله من لزما = بيت الإله وحيا البيت والحرما
إن الزمان إذا يأبى وجود فتى = مثل ابن مايابى لم يعدد من اللؤما
ما زال يدأب فى علم وفى عمل =يقفو بأعماله آثار ما علما
حتى أباح حمى العلياء فى زمن= قل المبيح من العلياء فيه حمى
بالعشر يقرأ ءايات الكتاب كما = قدكان أنزلها رب الورى حكما
مشفوعة من أحاديث الرسول بما =قدكان صححه الحفاظ والقدما
مشفوعة من أحاديث الرسول بما = قدكان صححه الحفاظ والعلما
إن الذى أمسكت كفاه معتصما = بذ ين قدأمسكت كفاه معتصما
طابت أرومته قدما ومحتده = والفرع إن كرمت أعراقه كرما
يسعى مساعي آباء له سلفوا = ساعين للمجد سعي السادة الكرما
أبدى تصانيف قرت عين ناظرها=كالدر يحسن منثورا ومنتظما
إن المكارم أرزاق مقسمة = بين البرية ممن يبرأ النسما…
قال العلامة الشيخ محمد عبد الله بن الصديق رحمه الله ،
كان الشيخ باب بن الشيخ سيدي من كبار العلماء المجتهدين ، والأدباء المبرزين ، وكان فى أول العهد الفرنسي بمنزلة الحاكم العام لموريتانيا، وكان الشعراء يتوافدون إليه ويتسابقون فى مدحه ، ولكنه لما اطلع على مؤلفات الشيخ محمد حبيب الله منظومها ومنثورها أعجب بها وتحول من ممدوح إلى مادح ، فمدح الشيخ محمد حبيب الله وآل بيته بقصيدته التى لا يكاد يوجد لها نظير فى بابها، تلك هي هذه التى منها البيت المذكورالذى تم انتزاعه عبر الأثير من قائله والمقول فيه، ليلبس حلة زاهية لمن هو فى غنى عنه الإمام البخاري، فقد ألبسه الله لباس التقوى وكفى .
وكأن المحاضر أراد بحكاية البيت محرفا إضافة بعد آخر للصورة ليؤكد ما سبق من تجاهل الشيخ محمد الخضر، وخدمته للبخاري ، فخرج قطار الإذاعة عن السكة مرة أخرى ، بالإساءة لشيخ القرآن المجود بالعشر الشيخ محمد حبيب الله بن مايأبى ، دون أن يتدخل من الإذاعة متدخل لإحقاق حق وإبطال باطل .
وحينها خرج بعض من حضر الندوة احتجاجا ورفضا لهذا السقوط المدوى والخروج عن المألوف .
فلوكان رمحا واحدا لا تقيته =ولكنه رمح وثان وثالث
إنا إذا مالت دواعى الهوى = وأنصت السامع للقائل
لا نجعل الباطل حقا = ولا نلط دون الحق بالباطل
فلم يبق مجال لحسن الظن والتأويل اللائق عندما أصر محدث الإذاعة على فعلته تلك ، ولم يجد مسعفا يسعفه ليتخلص تخلصا حسنا ويظن به وبالإذاعة ما يليق، فأبى وردد البيت فى إصرارمريب لإيصال رسالة ما !!!
إن الزمان إذا يأبى وحود فتي = مثل البخاري لم يعدد من اللؤما
كلمة حق أريد بها باطل …
إن هذا الصنيع الغريب يتطلب مراجعة فورية لمواطن الخلل الكبيرة فى إذاعة القرآن الكريم إذ يفترض أن تكون رسالتها أسمى وأطيب وأطهر، وأحق من يحظى بنصيب الأسد من رسالتها المفترضة أهل القرآن وأهل الحديث ، فينبغى أن تكون منبرا عاما للفضيلة والأخلاق الحسنة والحق بعيدا عن سفاسف الأمور والجري خلف مرضى القلوب ، فلا تقدم لمستمعيها إلا صفوة الناس الذين يتخلقون بأخلاق القرآن من صدق وأمانه، ونزاهة، خدمة للقرآن وأهله ، لا أن تكون معول هدم ومصادرة لمواهب الناس (ليطفئوا نورالله بأفواههم ويأبى الله إلا أن يتم نوره.)
فمن غير اللائق أن يقدم للحديث عن إمام الحديث البخاري من لايراعي أدب وصدق الحديث فلا يجد سبيلا للإشادة بالبخاري إلا بالسطو على بيت لعالم موريتاني فى عالم موريتاني آخردون وجه وجيه . حسب قواعد وأساليب الكلام المشهورة
بنَى مسجداً بُنْيَانُه من خِيانةٍ =لَعَمْرِي لَقِدْماً كنتَ غيرَ مُوَفَّقِ
كصاحبةِ الرُّمّان لمَّا تَصَدّقتْ = جَرَتْ مَثَلاً للخائن المتصدِّق
يقولُ لها أهلُ الصَّلاح نصيحةً = لكِ الوَيْلُ لا تَزْنِي ولا تَتَصَدَّقي
فالإمام البخاري أغناه الله بحلاله عن حرام غيره
والله طيب لا يقبل إلا طيبا
ومن كان يؤمن بالله واليوم الآخر فليقل خيرا أو ليصمت
إذا لم تجد قولا سديدا تقوله = فصمتك عن غير السداد سداد