المستقبل لمن ؟ / دداه محمد الامين الهادي
يصر كثيرون على أن المستقبل صناعة معقدة، ولا يحظى به إلا محظيو الوساطة، فهو مرقوم لمن له أحد في مقدمة القافلة، أما المتأخرون في الركب، فهم في القابل أبناء “البدون”، سيظلون ضائعي الأماني، وسيتلاشون في عالم الضياع، والبشر بهذا المفهوم هم من صناعة البشر لا القدر،
وهذا الطرح الواهم أنتج ظاهرة التمسح بأحذية “البطارين”، ومحبة سيرهم الذاتية، ولو كانت هزيلة، وحكاياتهم تغدو في هذا السبيل نجاحا باهرا، وولاية ظاهرة، محاطة بالعناية الربانية، سابحة في الملكوت الإلهي، والحقيقة غير ذلك.
نعم، فالحقيقة الغريبة هي أن المستقبل قدر يحمل في طياته أمارات الغيب، ومفاجآته، فالمرء يتفاجأ بيومياته، بحاضره، ومآلاته، يصل دائما في رحلة الزمن إلى ما لم يكن في حسبانه، فيرى القوي يضعف، والضعيف يقوى، والآمل يتحقق أمله، أو يموت، واليائس يولد له أمل مشرق، فالحياة غريبة لا تتصف بصفة واحدة، ولا تتقيد برسم آدمي مفصل المسار.
إن حياتنا ليست ملكا لأحد غير الواحد الأحد، وزمننا ليس محددا من قبل غيره، ونصيبنا ليس في صفحة من صفحات أحد إلاه، وعبر التاريخ وقف الإنسان دائما في حيرة من الأقدار، وتاه العقل والحدس في عوالم المجهول المعلوم والعكس، ورأى الناس المرفوض يصبح هو ذاته المقبول، ورأوا المقبول يصبح الفضيحة، ورأوا السيد يتحول عبدا، والعبد يصير سيدا، ولم يكن الإنسان يوما متحكما في مضامين الزمن والقدر، وإن غالى البعض في الفهم السطحي لمفهوم “الجبر والتخيير”.
وفي الظاهر فالأمر وثيق الصلة بالإيمان صحيحا أو خاطئا، ففي الهند ثمة من يعبدون الحجر، ويؤمنون بتعدد الآلهة، وفي العالم ككل تنتشر الظواهر الكهنوتيه، والوثنية، فالناس ضحايا الكهنة وآكلي القرابين، وضحايا تأليه المخلوقات من نار وحجر وطين، وهنا يوجد مربط الفرس، فضعف العقيدة هو الذي ينتج ثنائية السيد والعبد، القوي والضعيف، المتحكم والمتحكم فيه، الصالح والطالح، الطامع والمطموع فيه.
وليس من الخطأ أن توجد علاقات بين البشر، ولكن ليس من اللائق أن لا تكون طيبة، وأن تبنى على محض المصالح، وعلى التأليه، فالنافع الضار هو الله، والبشر ليس إلا مخلوقا عاجزا، قد يحمل رسالة من الخالق للمخلوق تغير من حال المخلوق للأفضل، وقد تتحكم فيه أمراض القلوب بسبب وسوسة اللعين، فيتربص ويخطط بالسوء، وفي النهاية لا تكون إلا مشيئة الله، وهذا ما صورته في نص شعري، أذكر منه في السياق بيتين هما:
هيا بسيفك والحياة لربنـــــا * والسيف يأمره الذي أحياه
ما زلت تطعنني بسيفك عامدا * لكن أظل كما يشاء الله
ولقد عودتنا الحياة على أن يخذلنا البشر، ولكن الله لم يتخل عنا يوما، وهذا الأمر جار على سائر البشر، فالناس في حياتها تجد الله دائما، وتلتقي فيما بينها بشكل تطبعه الندرة والتفاوت.
والمستقبل ببساطة ودون وساطة لمن يكتبه له الله.