المغرب .. استراتجية دبلوماسية متطورة ونفوذ متزايد فى عالم متقلب

أنباء انفو- نجح المغرب أكثر من معظم دول العالم الأخرى فى تطوير استراتيجيته الدبلوماسية الخاصة به ، خصوصا خلال السنوات الأخيرة ، سيما مع الدول الأوروبية و فى تعاطيه مع جارته الشرقية الجزائر التى أعلنت من طرف واحد قطع كامل علاقاتها الدبلوماسية معه.
قبل حوالي أسبوع خصصت قناة “فرانس24” صالونها الإخباري لمناقشة أزمة العلاقات المتصاعدة بين فرنسا ومستعمرتها السابقة الجزائر وذلك تحت عنوان : “فرنسا-الجزائر: نحو القطيعة؟” .
أنطوان غلاسر، صحافي فرنسي مهتم بالقضايا الإفريقية ، معروف بدفاعه، عن المواقف الداعمة للتقارب مع الجزائر ، اعتبر خلال مشاركته فى الصالون، حدث التحول في موقف فرنسا بشأن سيادة المغرب على الصحراء ، بأنه نتيجة ، غيرة حصلت لدى الرئيس إيمانويل ماكرون من “إسبانيا وألمانيا و قد عززتا شراكتهما مع المغرب بعد اعترافهما بسيادته على الصحراء”، في حين ظلت فرنسا مستبعدة من هذه الشراكات مع هذا الحليف القديم.
وأكد الصحافي غلاسر، أنه بعد طرد فرنسا من منطقة الساحل، لجأ ماكرون إلى المغرب من أجل البحث عن فرص تجارية واقتصادية جديدة وإعادة تموضع فرنسا جيوسياسيًا في إفريقيا. وأضاف أن فرنسا لم تعد تعتمد على الجزائر في التعاون الأمني في منطقة الساحل، حيث أن دعم الجزائر للمتمردين الطوارق قد أدى إلى توتر علاقاتها مع القيادة الجديدة في مالي. وفي هذا السياق، سعى ماكرون إلى استعادة نفوذ فرنسا في المنطقة من خلال التحالف مع المغرب، الذي أصبح حليفًا قويًا لتلك الدول التي طردت القوات الفرنسية في وقت سابق، حيث يعرض عليها اليوم منفذًا على المحيط الأطلسي.
خلص الصحفي الفرنسي ، إلى أن التوتر المستمر بين فرنسا والجزائر لا يتعلق في الأساس بقضايا ثنائية، بل إن القضية الرئيسية التي تغذي الخلاف هي الصحراء. كما قال: “الفيل في الغرفة هو الصحراء”. وخلص إلى أن الصحراء هي القضية الجيوستراتيجية الرئيسية في المنطقة التي لها القدرة على إعادة تشكيل الجغرافيا السياسية لشمال إفريقيا. وأوضح غلاسر، وهو على حق في استنتاجه، أن المغاربة، الذين يضعون مصالحهم أولًا، لن يضعوا أجندة فرنسا في إفريقيا فوق مصالحهم الخاصة.
لا يمكن إنكار استحقاق الصحفي الفرنسي في تقديم تحليله الدقيق للتحولات الجيوسياسية في المنطقة، إلا أن نبرته الانتقادية تجاه المغرب ربما تعود إلى عدم استساغه لتحرك الرباط خارج صندوق تعاملاتها الدبلوماسية التقليدية، بعيدًا عن أنظار فرنسا ودون وضعها في الحساب، وهذا بالطبع أمر صادم ومقلق للصالونات السياسية في باريس.
ومن بين أركان تحرك الرباط هذا تعزيز التعاون جنوب-جنوب بشكل أكثر فاعلية وانفتاحًا على دول أخرى كجزء من استراتيجية شاملة، وهو الأمر الذي لم يتوقف عنده الصحفي الفرنسي بما يكفي رغم درايته الجيدة بشؤون المنطقة، ربما لتفادي منح المغرب استحقاقه في هذا التوجه.
لقد أصبح تحول موقف فرنسا أكثر وضوحًا في أكتوبر 2024 خلال زيارة ماكرون الرسمية للمغرب. في خطابه أمام البرلمان المغربي، بعث الرئيس الفرنسي برسالة دعم قوية لسيادة المغرب على الصحراء قائلا: “بالنسبة لفرنسا، فإن الحاضر والمستقبل لهذه المنطقة [الصحراء] يقعان تحت سيادة المغرب”. هذا التصريح جاء تأكيدًا واضحًا لما ورد في رسالته إلى جلالة الملك محمد السادس في 30 يوليوز 2024.
خطاب ماكرون، أسس لمنعطف مهم في العلاقات الفرنسية المغربية. لهذا صفق له النواب المغاربة تصفيقًا حارًا. ولم يكن التصفيق من أجل الدعم الرمزي لموقف المغرب فقط، بل من أجل التزام ماكرون بتقديم دعم ملموس للرباط من خلال الاستثمارات في المنطقة، ومن خلال دعم قوي لخطة الحكم الذاتي في مختلف الهيئات الإقليمية والدولية.
تعهد الرئيس الفرنسي ماكرون بأن الشركات الفرنسية ستساهم في تنمية المنطقة، مع التركيز على المشاريع المستدامة التي يمكن أن تفيد السكان المحليين. هذا التحول البراغماتي في السياسة الفرنسية يعكس التزامها بتجديد التحالف مع المغرب على أسس جديدة ووفق منطق الندية والمصالح المشتركة، آخذًا بعين الاعتبار الأهمية الجيوسياسية للبلد كلاعب رئيسي في مستقبل القارة الإفريقية. وقد وصلت قيمة الاتفاقات التي تم توقيعها في تلك الزيارة إلى نحو 10 مليارات يورو، تغطي مجموعة من الاستثمارات والشراكات الاقتصادية، مما يعكس الأهمية المتزايدة للمغرب كقوة إقليمية.
تم بناء علاقات جديدة بين المغرب وفرنسا اعتمادا على نهج “رابح-رابح” مع تنويع شراكاته مع حلفاء آخرين. وهذا التحول يترجم بتنامي العلاقات المغربية مع قوى عالمية أخرى ففي ديسمبر 2020، اعترفت الولايات المتحدة رسميًا بسيادة المغرب على الصحراء، وهو القرار الذي كانت له تداعيات جد إيجابية في أفق حلحلة هذا النزاع .
دبلوماسية المغرب لم تتوقف عند ذلك الحد بل إن المملكة عززت علاقاتها مع كل من الصين وروسيا، اللتين لهما مصالح استراتيجية في إفريقيا.
وتعد علاقات المغرب الجديدة مؤشرًا على الرغبة في عدم الاعتماد فقط على حلفائه التقليديين في الغرب.
فتحت مبادرة “الحزام والطريق” الصينية مجالات جديدة للتعاون الاقتصادي، بينما أصبحت روسيا شريكًا استراتيجيًا رئيسيًا منذ زيارة الملك إلى موسكو في عام 2016. ويبرز هذا التحالف المتنامي مع الصين وروسيا التزام المغرب بالحفاظ على علاقات قوية مع جميع أعضاء مجلس الأمن الخمسة الدائمين، وهو أمر حاسم في حشد مزيد من الدعم الدولي في نزاع الصحراء.
تعكس شراكات المغرب المتزايدة مع دول الخليج، وخاصة مع السعودية والإمارات، نجاح المملكة في التكيف مع التحولات الجيوسياسية في منطقة الشرق الأوسط. هذه العلاقات، التي كانت سابقًا قائمة على روابط الصداقة التي تجمع الأسرة الملكية بالعائلات الحاكمة في هذه البلدان، أصبحت الآن أكثر براغماتية وتستند إلى مصلحة اقتصادية مشتركة، خصوصًا مع الثقل الاقتصادي والجيوسياسي الذي أصبح يتمتع به هذان البلدان في السنوات الأخيرة.
وعلى مستوى علاقات المغرب مع جارته الجنوبية موريتانيا ودول شمال إفريقيا الأخرى، كرست المملكة نفسها كقوة إقليمية موثوق بها ، مساهمة بدور محوري في حل أزمات المنطقة الإقتصادية و الامنية حيث نجح في التوسط بين الفصائل الليبية المتزازعة للوصول إلى اتفاق لوقف إطلاق النار ، كما قدم مبادرته الأطلسية لربط دول الساحل الأفريقي بالمحيط الأطلسي لتحسين وضعها الإقتصادي .
إضافة إلى تطور الدبلوماسية المغربية على المستوى الإقليمي والدولي، شهد الاقتصاد المغربي تحولات كبيرة، رغم التحديات المستمرة مثل الفقر والبطالة. فقد ركز المغرب تحت قيادة الملك محمد السادس على تحديث وتنويع اقتصاده. واستثمرت المملكة بشكل كبير في البنية التحتية، بما في ذلك شبكة السكك الحديدية والقطارات عالية السرعة والموانئ والمطارات الجديدة، مما جعلها نقطة محورية في طرق التجارة الإفريقية والمتوسطية. وبالإضافة إلى النمو الكبير في قطاع السياحة.
لقد أصبح المغرب اليوم وجهة جذابة للمستثمرين الأجانب، حيث جلب العديد من الاستثمارات الضخمة، خصوصًا في مجال صناعة السيارات والطائرات.
انتقل المغرب إلى مجال التصنيع بدلا من التركيز المفرط على الفوسفاط والفلاحة، خصوصًا مع توالي سنوات الجفاف ، مقدما خططًا طموحة للنمو المستدام مستثمرا بشكل كبير في مشاريع الطاقة المتجددة، مما جعله رائدا في مجال الطاقة الخضراء في إفريقيا.
كذلك لم يهمل المغرب القطاع المالي فقد جاء فى صحيفة “لو فيغارو” الفرنسية أن الدار البيضاء، التي تحولت إلى “وول ستريت المغربية”، أصبحت مركزًا ماليًا رئيسيًا في القارة الإفريقية، وهي نقطة الانطلاق الأساسية للشركات العالمية التي ترغب في التوسع في إفريقيا.