أخبار

الرئيس البوركيني وسيط الأزمات الافريقية الذي لم يقنع شعبه (بروفايل)

أنباء انفو-
حمله انقلاب قاده، العام 1987، ضدّ رفيقه في السلاح، الرئيس البوركيني السابق “توماس سانكارا”، إلى الحكم.. نجح، رغم ذلك، في التأسيس لسمعة جيدة له في المنطقة الافريقية من خلال أدوار الوساطة التي لعبها من أجل التوصّل إلى حلول لأزمات هزت بلدانا افريقية عديدة، أبرزها مالي وكوت ديفوار.. ذاك هو الرئيس البوركيني “بليز كمباوري”.. شخصية تمكّنت من إقناع أطراف النزاع في مواقع شتى من القارة الافريقية، بيد أنّها فشلت في إقناع شعبها بإيمانه بالتداول السلمي على السلطة، عقب طرحه لمشروع قانون، يرمي إلى تعديل المادة الدستورية التي تقف عقبة أمام ترشّحه لانتخابات 2015.

طوال فترة حكمه، قاد “كمباوري” وساطات في المنطقة الافريقية، وصفت بأنّها ناجحة من قبل المحلّلين.. فلقد بدا دوره حاسما في الأزمة المالية، على الأقلّ حين انتهت بحمل السلطة المركزية بباماكو (العاصمة المالية) وممثّلين عن المجموعات المسلّحة الرئيسية المتمركزة شمالي البلاد إلى مائدة المفاوضات. نجاح دفع بالحركة الوطنية لتحرير أزواد، أبرز الحركات المسلّحة في مالي، إلى إنشاء مقرّها العام في العاصمة البوركينية واغادوغو.

وإلى جانب الملف المالي، كان لـ “كمباوري” أدوار وساطة في العديد من الصراعات العرقية والسياسية التي اندلعت في البلدان الافريقية، من ذلك الأزمة السياسية والعسكرية التي هزت كوت ديفوار (2002- 2010)، والأزمة السياسية الغينية في عام 2009.

ولد “بليز كمباوري” في 03 فبراير/ شباط 1951 في واغادوغو ببوركينا فاسو. ارتاد، انطلاقا من عام 1973، المدرسة العسكرية المسلّحة بالكاميرون. تكوينه الأكاديمي في المجال العسكري كان لا بدّ وأن يتعزّز بتدريبات ميدانية، فكان أن سافر إلى المغرب وإلى فرنسا.

في 4 أغسطس/ آب 1983، أنشأ بمعية “توماس ساماكارا” (والذي سيتقلّد فيما بعد الحكم خلال الفترة الفاصلة بين 1984 و1987)، المجلس الوطني للثورة، ليدخل التاريخ المعاصر لبوركينا فاسو، كعضو من مجموعة “الأغسطسيين”، نسبة إلى الشهر الذي شهد ميلاد الهيكل الثوري، وأحد قادة الثورة البوركينية. “كمباوري” استفاد، إثر ذلك، ممّا أسماه نظامه بـ “حركة تصحيح” مسار الثورة، ليتقلّد رئاسة الجبهة الشعبية (هيئة تسييرية جديدة)، ثمّ رئيسا للبلاد انطلاقا من 15 أكتوبر/ تشرين الأول 1987.

ففي ذلك “الخميس الأسود”، اندلع قتال عنيف في القصر الرئاسي بين المتمردّين والموالين للرئيس “توماس سانكارا”، غير أنّ الأخير قتل في انقلاب دبّره “بليز كومباوري”، والذي اتهم مباشرة بقتل رفيقه في السلاح، حيث فرض الرئيس الجديد (كمباوري) حظر التجول وحلّ المجلس الثوري. وبعد عدة أيام، أعلن طبيب عسكري وفاة “سانكارا” بطريقة طبيعية وفي 1991، اعتمد “كمباوري” دستورا جديدا للبلاد عبر الاستفتاء الشعبي، عدّل بموجبه المادة الدستورية التي كانت تحدّ الولايات الرئاسية باثنتين، ليفتح الآفاق واسعة أمامه.

شهد “كمباوري”، منذ انقلابه على “سانكارا”، وتولّيه الحكم، اتّهامات بالتورّط في اثنين من الاغتيالات السياسية التي وصمت مسيرته بشوائب ستستغلّها المعارضة لاحقا، لا سيما “السانكاريون” (أنصار توماس سانكارا)، وستستثمرها في تأليب الرأي العام ضدّه. فإضافة إلى الشبهات التي تحوم حول تورّطه في مقتل “سانكارا”، راجت شائعات استندت إلى معطيات صلبة، بحسب مطّلعين على الشأن البوركيني، حول تورّط “فرانسوا كمباوري”، الشقيق الأصغر للرئيس، في مقتل الصحفي البوركيني الشهير “نوربرت زونغو”، والذي عثر عليه متفحّما، قبل حوالي 15 سنة، في سيارته، غير أنّ السلطات أعلنت مصرعه في حادث سيارة، رغم ما رافق الحادث من روايات تفيد باغتياله بسبب تحقيق صحفي كان يجريه، قبيل وفاته، عن العائلة الرئاسية في بلاده.

ولمواجهة السخط الشعبي المنبثق عن اغتيال الصحفي، لجأ “كمباوري” إلى المناورة، فكان أن رفع القيود عن الحريات المرتبطة بالإعلام، وأعلن تعديلا دستوريا في المادة 37، حدّ بموجبه الولايات الرئاسية إلى اثنتين.. إلاّ أنّه استثمر الأثر غير الرجعي للقانون الجديد، ليخوض السباق الرئاسي في 2005، ثم في 2010.

ومع اقتراب الانتخابات الرئاسية المزمع إجراؤها في نوفمبر/ تشرين الثاني 2015، وجد “كمباوري” نفسه مجبرا على التنحي عن السباق الرئاسي، وهو ما لم يكن ليروق لمن خبر مذاق السلطة.. بدأت التلميحات قبل أن تتحوّل تدريجيا، خلال العام الجاري، إلى تصريحات، أعرب من خلالها حزب “المؤتمر من أجل الديمقراطية والتقدّم” الحاكم (حزب كمباوري) عن رغبته في تعديل المادة الدستورية التي تحول دون ترشّح كمباوري للرئاسيات المقبلة.

وإثر عمليات جسّ نبض متتالية، من خلال تصريحات متواترة، كان على “كمباوري” تحويل رغباته إلى إجراءات فعلية، حين قدّم حزبه، في سبتمبر/ أيلول الماضي، وحلفاؤه من”الجبهة الجمهورية” مشروعا لتعديل الدستور. المشروع وصفته المعارضة على الفور بأنّه “استفزازي”، وضاعفت من احتجاجاتها مؤخرا للحيلولة دون إجراء الاستفتاء حول تعديل الدستور، متّهمة أنصار “كمباوري” بالعمل على “الاحتفاظ بالسلطة مدى الحياة”.

وفي 21 أكتوبر/تشرين الأول الجاري، اعتمد مجلس الوزراء البوركيني، مشروع قانون يسمح بتعديل المادة 37 من الدستور، عبر الاستفتاء، والتي تحدد الولايات الرئاسية باثنتين. وقبل يومين من مروره على أنظار نواب البرلمان البوركيني، دخلت المعارضة، ردّا على ذلك، مرحلة “العصيان المدني”، وحشدت آلاف المتظاهرين في العاصمة واغادوغو وفي العديد من مناطق البلاد.

ومن الغد، أي الأربعاء الماضي، أعلنت النقابات البوركينية الإضراب العام، قبل أن يجتاح المتظاهرون، أمس الخميس، مقرّ البرلمان البوركيني، حيث قاموا بنهبه، قبل أن يشرعوا في إضرام النار فيه، بينما أضرم متظاهرون آخرون النار في مكاتب التلفزيون الرسمي بالعاصمة، وفي منازل شخصيات سياسية تابعة للنظام الحاكم.

وفي خضمّ ذلك الوضع العصيب، وفي محاولة لامتصاص الغضب الشعبي المتفاقم، أعلن الرئيس “كمباوري”، أمس الخميس، في بيان رئاسي، حالة الطوارئ وحلّ الحكومة، وإقرار الحوار مع المعارضة، قبل أن تعلن هيئة الأركان المسلّحة في بوركينا فاسو حظر التجوال وحلّ الحكومة والبرلمان وتشكيل هيئة انتقالية.

مواضيع مشابهة

أضف تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

Back to top button