أخبار

قصة السجين الموريتاني رقم 760 في جوانتنامو ، محمدو ولد صلاحي

برلين -( الراية ): بدأت القصة المأساوية للسجين رقم 760 في المعتقل السيئ السمعة جوانتنامو في مدينة دويسبورغ الواقعة في منطقة الرور الصناعية بالشطر الغربي من ألمانيا. في واحد من أحياء المدينة حط الشاب الموريتاني محمدو ولد صلاحي رحاله بعد مجيئه كطالب إلي هذا البلد ثم قاده مصيره بعد هجمات الحادي عشر من سبتمبر عام 2001 إلي متابعة السفر هذه المرة ليس كطالب وإنما كمشتبه بالإرهاب وعلي متن طائرة تابعة للاستخبارات الأمريكية CIA أقلته إلي جوانتنامو. قبل بدء رحلة الشقاء كان صلاحي يعيش مع زوجته الموريتانية الشابة في شقة صغيرة وتقول اليوم إنها لا تعرف شيئا عن اتهام زوجها بالعمل لحساب (القاعدة) كما يزعم الأمريكان. يبلغ صلاحي اليوم 38 سنة من العمر ويقول الأمريكان إنه كان علي صلة وثيقة بخلية (محمد عطا) التي قام ثلاثة منها بتنفيذ هجمات 11 – 9 وكان حسب الرواية الأمريكية يزورهم باستمرار في ضواحي مدينة هامبورغ وكانوا مثل صلاحي طلبة لكنهم يعيشون حياة مزدوجة.ويعتبر عملاء السي آي إي والشرطة الفدرالية الأمريكية وكذلك دونالد رامسفيلد وزير الدفاع الأمريكي السابق، صلاحي من الرموز الكبيرة في منظمة (القاعدة) كما يحملونها جزءا من مسؤولية هجمات 11 – 9 علي نيويورك وواشنطن. وكان رامسفيلد شخصيا قد اطلع علي ملف صلاحي وصدر عنه أمر اعتقال الشاب الموريتاني وتعذيبه إذا اقتضت الضرورة، حتي يدلي بمعلومات مفيدة.

يقول الأمريكان اليوم أيضا إن صلاحي يشكل خطرا علي أمنهم ويعتمدون في رأيهم علي أقوال قدمها اليمني رمزي بن الشيبة الذي كان يعيش في ألمانيا وكان بدوره علي صلة وثيقة بخلية (محمد عطا) وغادر ألمانيا قبل وقت قصير علي تنفيذ هجمات 11 / 9 واعتقل في كراتشي في سبتمبر عام 2002وهو معتقل أيضا في جوانتنامو ومن المحتمل أنه سينال عقوبة الإعدام. ويقال إنه خلال إقامته في ألمانيا كان يطوف المساجد وأرسل مبالغ إلي قيادي في (القاعدة) ثم سافر إلي أفغانستان وهي خطوات جعلته عرضة للاشتباه. لكن لو حصل صلاحي علي محاكمة داخل الولايات المتحدة لكان من الصعب تقديم أدلة دامغة ضده. لكنه موجود في معتقل جوانتنامو الذي لا يخضع للقوانين الأمريكية.

أحد أبرز المدافعين عنه يعيش في مدينة وسلدورف بولاية شمال الراين وستفاليا، إنه شقيقه جحديح الذي استطاع أن يجمع حوله مجموعة من الذين يطالبون بالإفراج عن صلاحي. في عام 2001 دفع جحديح ثمن تذكرة سفر شقيقه إلي ألمانيا وفي أكتوبر عام 2002 قرأ في مجلة (دير شبيغل) اسم شقيقه المعتقل في جوانتنامو. وكتب جحديح رسائل إلي الرئيس الأمريكي جورج دبليو بوش ووزير الدفاع السابق رامسفيلد ووزيرة الخارجية كوندوليزا رايس يقول فيها إن شقيقه بريء. وسمعت والدته صوت ابنها لأول مرة منذ ست سنوات بعد سماح إدارة المعتقل بإجراء مكالمة هاتفية بين صلاحي وأفراد عائلته الذين توجهوا إلي مقر الصليب الأحمر في نواكشوط.

ليس كل معتقل في جوانتنامو يحظي بهذه المعاملة ويحصل علي الحظ بالتحدث مع عائلته علي الهاتف. يعود السبب كون صلاحي تمكن من أن يقنع سجانيه بدماثة أخلاقه ولهذا فإن زنزانته أكبر من الزنزانات الأخري وفيها كمبيوتر وتلفزيون ملون كما يسمح لصلاحي بطلب الهامبورغر من محل قريب وتقاسم حديقة مع معتقلين آخرين زرعوا فيها طماطم. أحد السجانين يقول إن صلاحي ذكي جدا ولاعب ورق ممتاز. لكن ما الذي أتي به إلي جوانتنامو؟

سعي والده وهو تاجر جمال لتعليمه القرآن وكما يقول شقيقه كان الوحيد في العائلة الذي حفظ القرآن عن ظهر غيب كما كان مولعا بلعبة كرة القدم ويطلق علي نفسه اسم أحد لاعبي الكرة الألمان. بعد حصوله علي الثانوية العامة تقدم بطلب الحصول علي منحة للدراسة في ألمانيا وحصل عليها. في صيف عام 1988 استقل طائرة إلي ألمانيا وكان أول عضو في أسرته ينتسب إلي جامعة في الخارج وأول عضو يسافر بالطائرة. بكت والدته كثيرا عند الوداع حتي أن صلاحي كان علي وشك أن يلغي سفره لكن أفراد الأسرة أقنعوه بالسفر. وقال شقيقه في دوسلدورف: كان سفره بالنسبة إلينا مهما جدا لأننا كنا نأمل منه أن يعيلنا ويخلصنا من الفقر.

كان صلاحي طالبا مجتهدا فتعلم اللغة الألمانية في مدة قصيرة وأنهي امتحان القبول بالجامعة بامتياز.عندما عاد إلي موريتانيا في شتاء 90 / 1991 حمل معه هدايا وأصبح صدفة العم الثري القادم من الغرب وكان يبلغ 21 سنة من العمر. تزوج صلاحي من وفاء بنت سيف التي تعيش اليوم في نواكشوط مع زوجها الثاني ولا تزال تتحدث اللغة الألمانية بطلاقة. في عام 1995 عندما أنهي امتحاناته النهائية سافرت زوجته إليه وعاشا في مدينة دويسبورغ. لكن زوجته تقول إنها لم تلاحظ أبدا أنه علي صلة بمنظمة (القاعدة) ولم يخبرها عن شيء. كان يتردد منذ مجيئه لألمانيا علي مساجد في مدينتي دويسبورغ وكريفلد. وأبلغ كريم مهدي وهو مغربي درس الكيمياء في ألمانيا يبلغ اليوم 41 سنة من العمر وكان علي صلة وثيقة بصلاحي أن الأخير كان يعمل في تجنيد الشباب للذهاب إلي حرب الجهاد. منذ عام 2003 يقضي كريم عقوبة الحبس 9 سنوات في فرنسا بعد القبض عليه وإدانته بالتخطيط لاعتداء في جزيرة (لو ريونيون). أبلغ كريم المحققين أن صلاحي شجعه علي السفر إلي أفغانستان حيث شاهد صلاحي هناك مرتين، في عام 1990 و1992 وبعد المرة الثانية عادا معاً إلي ألمانيا. ليس كريم الشاهد الوحيد الذي ذكر اسم صلاحي. فقد ذكره رمزي بن الشيبة الذي عاش في شقة واحدة مع محمد عطا وحاول ثلاث مرات الحصول علي تأشيرة دخول إلي الولايات المتحدة وكان يتمني أن يكون واحدا من منفذي هجمات 11 / 9 لكن القنصلية الأمريكية في برلين رفضت طلبه ثلاث مرات. ولعب دور الوسيط بين منفذي الهجمات ومنظمة(القاعدة). إذا صحت المعلومات التي ذكرها بن الشيبة فإن صلاحي أحد الأشخاص المهمين في تنفيذ هجمات 11 / 9. استنادا لأقواله كان من المفترض أن يسافر محمد عطا والذين شاركوا في الهجوم علي نيويورك وواشنطن إلي الشيشان للانضمام إلي المسلمين في الحرب ضد الجيش الروسي. عوضا عن ذلك دعاهم صلاحي إلي السفر لأفغانستان. لكن السؤال لماذا يفبرك بن الشيبة معلومات ويضع صلاحي في موقف حرج علما أن الأخير ينفي نفيا باتا أن يكون لديه علم بخطة الهجوم علي الولايات المتحدة عام 2001؟

بدأ الألمان يراقبون صلاحي ومعارفه في عام 1998 بطلب من الأمريكيين الذين حصلوا علي معلومات حول ورود أموال إلي الخرطوم عن طريق فرع لمصرف (سيتي بنك) بمدينة دوسلدورف يشتبه أن الأموال مرسلة إلي (القاعدة). صاحب الحساب كان صلاحي الذي كان في ذلك الوقت قد أسس شركة رأسمالها خمسون ألف مارك (25 ألف يورو) والرجل الذي حصل علي المال المرسل من ألمانيا ابن عمه اسمه أبو حافظ الموريتاني أحد قادة (القاعدة). قال صلاحي لاحقا ان قريبه طلب منه بعض المال وساعده مرتين ثم رفض مساعدته مرة ثالث. وتعرض للمراقبة عندما زار كندا كما قال بحثا عن فرصة عمل والعيش مع زوجته لكن أحمد راسم وهو جزائري اعتقل في كندا بعد إدانته بمحاولة القيام باعتداء في مطار لوس أنجيليس واكتشاف متفجرات في سيارته قال انه تلقي أوامره من شخص اسمه صلاحي.

لكن هل هذه المعلومات ضد صلاحي صحيحة؟ خلافا للمحققين الأمريكيين يقول محققون ألمان ليس هناك دليلا واحدا يثبت صحة الاتهامات الموجهة إليه كما لم يعرف راسم أبدا. والدليل علي ذلك أن صلاحي دخل الأراضي الكندية بعد القبض علي راسم. في عام 2000 عاد صلاحي إلي موريتانيا وعمل في مجال الإنترنت وأنشأ جهاز الإنترنت في مقر الرئاسة بنواكشوط. ثم طلق صلاحي زوجته وتزوج من سارة التي تعيش اليوم مع عائلتها في العاصمة الموريتانية وقالت إن زوجها ليس إرهابيا. في نوفمبر عام 2001 خلال شهر رمضان كان صلاحي في الحمام عندما داهمت الشرطة الموريتانية مسكنه وطلب منه المصاحبة إلي المخفر لكنه لم يعد. تم استجوابه من قبل الشرطة الفدرالية الأمريكية ثم نقل بعد موافقة الحكومة الموريتانية إلي الأردن حيث أقامت السي آي إي سجون التعذيب لكي يحفظ العملاء الأمريكان أيديهم نظيفة من تهمة التعذيب ثم نقل لاحقا إلي أفغانستان علي متن طائرة تابعة للسي آي إي ثم إلي جوانتنامو حيث استجوب ولم يحصل منه المحققون علي أدلة يمكن استخدامها ضده في المحاكم. صدرت أوامر من رامسفيلد بتعذيب صلاحي لانتزاع معلومات منه رغم تحذير من بعض المستشارين بأن تعذيب السجناء مخالف للقوانين الأمريكية. من الأساليب التي استخدمت ضده كانت منعه من النوم وإطلاق موسيقي صاخبة داخل غرفة منعزلة وتعريته من ثيابه وتحرش جنديات به جنسيا ثم وضعه جنود بعدما عصبوا عينيه داخل زورق وأوهموه أنهم سوف يعدمونه ويرمونه لكلاب البحر. لم يجد صلاحي شيئا ليقوله لكن المحققين في جوانتنامو كانوا علي ثقة أنه أحد رموز (القاعدة) ومن شدة التعذيب الفيزيائي والنفسي استسلم صلاحي ووافق تحت التعذيب علي كل تهمة وجهت إليه.

*سمير عواد

مواضيع مشابهة

أضف تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

Back to top button