جولة تحليلية في فكر منظمة ايرا / سيد محمد ولد أحمد
الحمد لله على أن عقلاء هذا البلد أكثر بكثير من سفهائه، ذلك حفظ الله عز وجل الذي يحفظنا من كيد الكائدين، وجهل الجاهلين ، والمتنطعين الناعقين وأتباعهم من الزاعقين، ممن أصبحوا قدوات في هذا الزمن الأغبر، وما عندهم من مقومات القدوة إلا وجوههم المنفرة التي قال فيها الشاعر:
لو أن لي من جلد وجهك رقعة … لجعلت منها حافرا للأدهم
فلننتبه لهذه الظاهرة الديمقراطية المادية التجهيلية، ظاهرة تصدر أصحاب الوجوه الحديدية، والألسنة الخشبية للمشهد، وقيادتهم للجاهلين المغترين، فالجاهل يمكنه اليوم بالوقاحة وحياة الروح، أن يلج أبواب السياسة ليتصدر، وأبواب الإنقلابات ليترأس، وأبواب المنظمات ليتبعه أمثاله..
المعيار اليوم هو “متن لوجه”، لا سلامة القلب وأصالة المبادئ وغزارة العلم.. فانتبه يا من اتخذت من الغربان دليلا لك، ولم تحفظ قول القائل:
ومن يتخذ من الغراب دليلا … يمر به على جيف الكلاب
وسأعطيك مثالا على الحالة الأولى وهي السياسة (ويتبع لها مجال المنظمات الحقوقية)، فبالنسبة للسياسة لا يشترط في قادتها العلم والعقل كما هو الحال بالنسبة للمال وقوة الوجه والقبيلة، لذا نرى اليوم منصات سياسية كبرى مليئة بالتجار والوجهاء ممن تتوقف حدود معارفهم عند حدود قراهم النائية، وصلوا إلى أعلى المراكز بسبب المال والقبيلة والديمقراطية الزائفة، وصاروا قادة يقررون مصائر الناس ولا خلفية علمية أو ثقافية لأغلبهم، ولا تُشترط فيهم كما تشترط في الفقراء العاطلين عن العمل المتقدمين إلى مسابقات الدولة رجاء وظيفة مجدبة تفتح لهم بيتا صغيرا في شارع الحياة الفسيح، ومثل ذلك أبناء الوجهاء الذين يحتلون المراكز العليا في هذه الدولة التبتابة تحت سمع ومرأى شمشون المفسدين!
إن المتتبع لهذه المنظمات المتغربة الدخيلة، ليلاحظ استماتة القائمين عليها ومن تبعهم من الناعقين في محاولة اختراق حمى الدين والنيل منه. والعقدة الحقوقية التي ترتكز على مسألة فقهية هي التي يطرب لها الغرب وجيش الحقوقيين المؤتمر بأمره، فلماذا الدين بالذات؟
الجواب بسيط، وهو: لأن الدين هو أساس العداوة بين أهل الكفر والإيمان، ولا تعتقد أن أوربا وأمريكا غير متدينتين، بل هما كذلك، وإلى النخاع، وهذا يدلك على أن الخالق لا يمكن تجاوزه فهو موجود في فطرة الإنسان حتى الكافر، وهو أساس هذه الحياة، وحياة الإنسان ككل تدور حوله إما كفرا ومحاربة، أو إيمانا ومدافعة، وفي هذا وحده اكبر دليل على وجوده، إذ لو لم يكن ما مع المسلمين هو الحق، لما حاربتهم جيوش الباطل منذ ظهور هذا الدين وحتى اليوم، فالشيطان لا يريد لأتباعه الراحة من معاداة أهل الإيمان، وأهل الإيمان لا يبحثون عن الراحة في هذه الدنيا لعلمهم أنها تنتظرهم في الآخرة، والحرب سجال.
وإذا أردت أن تعرف الطائفة الظاهرة التي معها الحق، فابحث عن أكثر الطوائف تعرضا للأذى والمكائد اليوم، وأكثرهم نصحا للخلق، ورحمة بهم، واعتراضا على انحرافاتهم البدعية، تجدها طائفة تتبع ما كان عليه السلف الصالح من الصحابة ومن تبعهم، ولا تقبل بأي بدع مضافة إلى الدين أو مُنقصة منه، ولا تقتل النفس التي حرم الله إلا بالحق، وأعطيك مثالا بسيطا: انظر إلى إيران الشيعية الدموية، تجد أهل السنة فيها – وهم كثر- بلا أدنى حقوق، لا حق لهم حتى في بناء مساجد خاصة بهم، فهي الدولة الوحيدة في العالم التي لا توجد فيها مساجد لأهل السنة!، وقارن ذلك بالسعودية السنية التي هي من ألد أعداء التشيع عقديا، انظر إلى منطقة القطيف الشيعية، تجد الشيعة يقيمون طقوسهم بكل حرية، حتى أن الأذان ليرتفع في بلاد الحرمين ب “علي ولي والله!” و”حي على خير العمل”، فأي عدل هذا..
بإختصار: ليس من الطائفة الظاهرة – وأهلها قلة-، من ابتدع في الدين، وهم أغلبية، يتشبهون بأهل الصلاح والحلم والرحمة، وعلامة عكس ذلك فيهم معاداتهم لكل من يعترض عليهم، ولو كانوا من أهل الحق لما خشوا أحدا، ولما عادوا أحدا، ولصرحوا ببدعهم المكتومة التي يتداولونها ففقط على الخاص من برامج دردشتهم الشيطانية.
وليس من الطائفة الظاهرة من يحمله السفه والحمق والإستعجال الذي حمل الخوارج على قتل الصحابة، على الفتك بالناس، سواء كانوا من المسلمين أو من غيرهم من المعاهدين والآمنين بغير حق، ويفجرهم ونفسه بغباء ما بعده غباء.
وليس منها من لا يؤمن بالله ولا باليوم الآخر كالكفار. وليس منها من لا يحترم أسس دينه ورسوله صلى الله عليه وسلم من الملحدين والمفكرين في الدين… والقائمة تطول، وهذا رأيي الذي لا ألزم به قطا واحدا..
فالغرب لا يختلف معنا أو يعادينا لأننا متخلفون أو بلا ديمقراطية كما يروج له، بل لأننا مسلمون، لذا يحاولون باستماتة التدخل في شؤوننا – التي لا تعني آبائهم في شيء – رغم بعدنا عنهم، يتدخلون من أجل إلغاء الشريعة، والنظام التعليمي الإسلامي، والمرأة الصالحة من البيوت، وغير ذلك، ولا يتدخلون أبدا في شؤون البوذيين والهندوس الذين يعبدون الأصنام والبقر، بل قد يأكل بعضهم بعضا..
يريدون إطفاء نور الله بأفواههم وأفواه الناعقين المغرر بهم من أبناء المسلمين الجهلة، وبأفكارهم وتوجهاتهم الشيطانية الخبيثة، وما أكثر اليوم من بني جلدتنا، خصوصا بحجة الحقوق المشئومة، من يريد أن يرضي الكفار ولو على حساب ربه ووطنه، فاليوم من حق الواحد عندهم أن يكفر بالله بعد الإسلام، وأن يعترض على أبوه وشيخه، بل وعلى نفسه المطمئنة، وأن يفعل ما يشاء من الفواحش ويعلن ذلك، فالغرب لا يجلد على الزنا، ولا يحاسب على شرب الخمر الوضيعة، والمرأة في نظره ونظر جرائه الحقوقيين، حرة في نفسها بغض النظر عن مصلحة مجتمعها الإسلامي المتدين، وكذلك كل من أعلن التفسخ وأشهره في وجه المجتمع كالمثليين، وغيرهم.. فحضارة الغرب مبنية على النهب، والكفر، والتفسخ، ولكل من تبعهم نصيب من هذه الثلاثة، ويتفاوت الناعقون في ذلك بحسب الإقبال والإدبار كجلمود صخر حطه الكفر من عل..
فبإسم الحقوق، والديمقراطية، والحرية التي تجهلها أمريكا نفسها، وبإسم المساواة والعدل اللذين لا أثر لهما في تصرفات القوم، وفي جرائمهم المتتالية ضد أمتنا والبشرية جمعاء. بإسم هذه الحقوق السخيفة خرج قوم من المعقدين الفارغين الفاشلين في نهب الدولة من قريب، في شكل منظمات وجمعيات حقوقية تستدر صدقات الغرب الغير مباركة لتعيث فسادا في البلد الذي تكره من أعماقها رغم ادعائها غير ذلك، فنادوا بكل قبيح يُخشى عليهم من الكفر بسببه، فمنهم من قال – على سبيل المثال – بضرورة المساواة بين الذكر والأنثى في الميراث، وهو اعتراض على قسمة رب العالمين ما بعده اعتراض، ومنهم من فضل الديمقراطية والقانون الأوربي الوضعي الوضيع – السخيف مقارنة بقانون رب العالمين – على الشريعة الإسلامية، وفضل اللغة الفرنسية على لغة القرآن العربية، وفضل الزاني الماجن “فولتير” على العالم الصالح الحسن البصري، وفضل كلاب الفلسفة النابحين من اليونانيين وغيرهم، على الأنبياء والصالحين، بدليل علمه وإعجابه بأولئك أكثر من علمه وإعجابه بهؤلاء، وهم النافعون له في الدنيا والآخرة..
فكان الحقوقيون بذلك أمة سوء، بدليل اجترائهم على حمى الإسلام ومقدساته، ومحاولاتهم النيل منه، لعلم الكلاب الغربية الممولة لهم بأن سقوط الدين يعني سقوط الأمة، وهذا الحفر قائم على قدم وساق في بعض البلدان بتمويل من مؤسسات أمريكية عريقة في التشكيك في الإسلام (مثل مؤسسة راند)، حتى إنه ليوجد على إحدى القنوات المصرية صحفي مخبول سماه أبوه البحيري “إسلام”، وهو بعيد كل البعد من الإسلام، يأتي في كل حلقة شيطانية من برنامجه المشفر المحمي من مداخلات المعترضين، بشبهة يقذف بها الشعب المصري المسلم الطيب الذي تبلغ نسبة المتحجبات فيه 95 بالمائة، والحمد لله..
أصبح مجال الحقوق منبرا لكل منحرف ومنحرفة، قريب من الكفر والمسخ في الدنيا والآخرة، يُلقي شبهاته من على منبره، ويستدر رزقه الحرام الغير مبارك من منظمات النصارى الخسيسة التي لن يهدأ لها بال حتى يموت الإسلام، وسيسبقونه، كما قال تعالى: “وإن من أهل الكتاب إلا ليؤمنن به قبل موته ويوم القيامة يكون عليهم شهيدا”..
وإذا كان لأولئك الرؤوس – رؤوس الضلال – مصالح شيطانية في تمالئهم مع الكفار، فما هي مصالح الأبرياء والمثقفين والعقلاء الذين يرتمون في أحضان فكرهم الخبيث الذي يشبه وجه عمل الكافر الذي يأتيه يوم يُرمى في قبره، فيقول له الكافر: “من أنت فوجهك الوجه الذي لا يأتي بخير”، فيقول له: “أنا عملك الخبيث”..
أعتقد أن من أسباب هذا النضال الأرعن الذي يسعى إلى إقامة دولة الشيطان، والتفرقة بين شرائح المسلمين:
أولا: الإندفاع، ولا يأتي بخير، ومنه سرعة الغضب، والتطاير كالشرر المشئوم، لذا نصح القدامى بالحلم، وبالكياسة في الأمور، فالإندفاع من الخفة والسفه والطيش، وهو من خصال الشياطين، ولا يصدر من عاقل مصلح، وتجنبه خير لصاحبه وأكثر بركة، فما ندم من تأنى في الأمور، وما نزع أصابعه من تحت أسنانه من تعجل في الأمور..
ثانيا: الجهل، فالعامي الجاهل لا يحفظه من الزلل إلا فطرة الله التي فطره عليها، وهي البساطة والتواضع وحب الخير لكل الناس ومسالمتهم، ولله الحمد أغلب عوامنا طيبون، لذا هم بعيدون من متناول هذه الزمرة – زمرة السوء – التي تحاول دمجهم في حلف الشيطان..
والحديث هنا عن الجهل المركب، وهو جهل من يعتقد في نفسه علما وهو أجهل من كاردن. أي جهل من لا يحس بجهله، بل بالعكس يعتقده منتهى العلم، وسببه مرض في النفس لا دواء له في الصيدليات بل في يد مقلب القلوب وحده، وأساس ما في الإنسان قلبه، فإذا فسد صَعُب ترقيعه..
وهذا النوع من الجهل نراه كثيرا اليوم، نراه في الفيس بوك، نرى أشباه المثقفين يرتكبون الأخطاء الجسام التي يتنزه عنها الجهلة العوام، كالوقوع في الدين، وفي العلماء والصالحين، والتلفظ بالكلمات االنابية التي لا تصدر من إنسان سوي، ويعتقد الجاهل منهم أنه اطلع على السرائر وعرف أن فلان من العلماء “حبيب الشيطان”، والآخر “حبيب الشيطانة”، ولو عقلوا لفكروا قبل الوقوع فيمن يشهد له الناس بالصلاح، وهو الظاهر الذي نحكم به، فالناس شهداء الله في أرضه، ولا يخلو أحد من خطأ، فولد الددو – الذي يتهكمون من صوره ليل نهار بالقلب والإستهزاء، قلب الله فطرهم، ونكس قلوبهم -، خير منهم جميعا، على الأقل في أعين السواد الأعظم من أبناء هذا البلد، وهي شهادة على صلاحه، أما ما بعد ذلك فبيد الله وحده، وهو أعلم بسريرته وخاتمته.
تجد الواحد من هؤلاء الغربان مجهول غبي، لا يعرفه إلا المقربون منه من شياطين الإنس والجن، وهو مع ذلك يضع نفسه المحمومة التي تحتاج لرفع عاجل إلى داكار؟ لا، بل إلى درجات أعلى من العلم والإيمان، يضعها في كفة واحدة مع من شهد له القاصي والداني بالعلم والصلاح..
فالددو، وولد عبد الرحمن، وغيرهما من العلماء، يحفظون ما لا تحفظ أيها الساخط على دينك وقومك، ويعلمان ما لا تعلم، ويأتم بهما من لا يأتم بأمثالك، أفلا حسبت ذلك، ودخلت في قدحك يا أبطأ في الفضائل من فكرون؟ وإن لم تفعل أفلا نظرت في أصل المشكل بينك وبين هؤلاء السادة المبجلون، أليس مسألة فقهية واحدة – وهي عبودية الشؤم عليك -، فإذا كنت محقا في زعمك، كيف تخرج من أجواء الحوار الديني الإيجابي، إلى أجواء انتهاك حرمات العلماء والمساجد بشعاراتك الجوفاء التي يعرف حقيقتها القاصي والداني..
ومن أنت حتى تختلف مع شيوخ شيوخك؟ على الأقل في نظر الناس، وهم شهداء الله في أرضه، وهو الظاهر الذي يحكم به العقلاء، من أنت حتى تخرج من سروال التواضع، وتستعرض بضاعتك المزجاة أمامهم؟..
ثالثا: حب الأشخاص، والإعجاب بهم، وهنا أقول لكل من يهوى الإندفاع الصبياني نحو المناداة بالحقوق في الشوارع والمساجد، إن الثورة الحقيقية إذا لم ترتبط بالإسلام فهي سخف وتهور وغباء كثورة الإخوان ومن تبعهم أو تبعوه، والثائر كالمجنون الذي لا يحسب كلامه وأفعاله، وهي بلا أدنى فائدة خصوصا إن تجاوزت حدودها ومدت يدها إلى الدين وأمن الناس، كما فعل كبيركم الذي يعلمكم السحر بحرقه لكتب المسلمين على مرأى ومسمع منهم، ولن أدعو عليه بالحرق، بل أكتفي بالرجاء من الله العلي العظيم أن يمن عليه بتوبة تمنعه من الحرق يوم لا ينفع مال ولا بنون.
فهل هذا تصرف من له عقل، وإذا كان ضد مسألة فقهية واحدة هي العبودية المشئومة عليه، فما ذنب آلاف المسائل التي تضمنتها تلك الكتب؟ أين العدل، وأين الفهم، وأين احترام مشاعر الأغلبية، أم أن الدولة أصبحت سيبة منذ هل عليها شارب هذا الرئيس الطيب المتسامح..
وما ذنب الفقه المالكي الذي امتهن بامتهان الكتب التي يحمله، أيعد فاعل هذا بطلا يستحق الإتباع؟ إن من سنن هذه الحياة الدنيا أن كل ناعق مريض يتبعه أشباهه، فهي دار يكثر فيها الغربان..
وهنا أذكر جمهور المندفعين عن قائد المنظمة المتبرم بأن أهم علامات المصلح الحقيقي هي جنوحه إلى السلم واللين والطيب من الأقوال والأفعال، وإلا فهو مخرب.
وسواء كان المصلح مسلما أم كافرا – والمسلم أولى بذلك لقربه من الله وفهمه لحقيقة الدنيا – عليه التأني واعتماد الحكمة في أقواله وافعاله، وتدبروا يا أتباع الناعق في قصة مانديلا يتبين لكم أنه لم يتهم بيض جنوب إفريقيا بأنهم برابرة، كما فعل صاحبكم الذي جعل من كل البيظان مستعبٍدين، وشكك في صلاحية
علمائهم وحكومتهم، وفي مقدساتهم الدينية التي نرى آثار أفعاله المنحطة فيها، فهل هذا مصلح أم ساخط متبرم؟..
إن المؤسف المثير لكل العقلاء هو تجرؤ المتثيقفون والمتمشيخون الجهلة بحقائق الحياة والدين، على ثوابتنا التي نحبها أكثر من أنفسنا وآبائنا، ككتبنا الإسلامية، وعلمائنا، ومساجدنا التي لم تسلم منهم، بل وفي يوم الجمعة الذي نُهِيَ عن اللغو فيه ولو بكلمة، لم يحترمه النابحون الموزعون للمناشير الآكلة لغيبة أفاضل الناس من العلماء، فهل هذا من الدعاء الصالح يا مخربون؟..
ويبدو أن الجماعة عجزت عن احتمال سياط الشرطة في الشوارع المتسخة، فاتجهت إلى المساجد لتعيث فيها فسادا، وفي كلتا الحالتين لا هدف لها إلا التخريب، ونشر أفكار الغرب السخيفة التي يعرف الغرب نفسه مدى تفاهتها، وهل يوجد أسخف وأغبى وأضل ممن يعتقد أن ربه ثلاثة، وأن الزنا وشرب المنكر من الأمور الطبيعية المستلذة النافعة؟!..
وإليك تحليلا لبيان منظمة فظمة (إيرا) حول حادثة المسجد السعودي، وستلاحظ من خلاله أنها مخربة لا مصلحة، وكما يقال “بواطن الناس قدور تغلي، واللسان ملعقة لمعرفة طعمها”:
بدأ البيان السخيف بجملة “إيرا تدفع من جديد ثمن دفاعها عن الدين الصحيح”..
تأمل هذه الجملة فهي وحدها تكفي، ففيها الكثير من الخبث والمغالطات. وقبل ذلك أذكرك بأن البيان جاء كاعتراض على اعتقال الناعقين في يوم الجمعة الأولى، الذين لم يحترموا فيه خصوصية المسجد ولا خطبته ولا إمامه (لقراءة البيان من هنا).
أصبحت المنظمة التافهة “إيرا” التي أحرقت كتب مذهب إسلامي بأكمله، تعترف به كل طوائف الإسلام من حنابلة وشافعية وحنفية وغيرهم، والتي لم يفعل فعلتها أحد من أهل العقل والدين، أصبحت هي التي تدافع عن الدين الصحيح! إيرا الحمقاء؟! عجبا لهذه الديمقراطية المشئومة كيف تساوي بين المخربين والمصلحين..
وتأمل جملة “الدين الصحيح”، فإن ما عليه ولد حبيب الرحمان، والددو، وأنا وأنت، والسواد الأعظم من الموريتانيين سواء بيظان أو حراطين، ليس بدين صحيح! فأي الفريقين أهدى سبيلا؟
وكيف يتلفظون بهذه الكلمة العظيمة “الدين الصحيح” بسبب اختلافهم في مسألة فقهية واحدة ليست حتى من أمهات المسائل الفقهية أو العقدية؟
ألا تلاحظ جهل القوم، كيف أوصلهم إلى مناطحة العلماء:
كناطح صخرة ليوهنها … فأوهى قرنه المتبرم
لقد أحرقت منظمة إيرا نفسها في أعين الموريتانيين الصادقين يوم أحرقت الكتب التي زكاها من هو خير وأبرك من كل رجالاتها مجموعين ومعمول منهم عصير الغساق.
قال الإمام ابن القيم رحمه الله في مختصر خليل: “لم تزل ألطاف الله بالمالكية تتوالى حتى أخرج لهم شابا جمع لهم مذهبهم في أوراق يتأبطها الرجل ويخرج”، أهكذا يقابل مجهود العالم العبقري الفذ “خليل” الذي لخص المذهب في جمل بديعة، خفيفة على الحفظ والشرح، وأسهم في ثباته في الأذهان، وتداول المسلمين بركاته على مر القرون، وأثنى عليه العلماء من القدم حتى اليوم..
ومن هذه الجملة وحدها (الدين الصحيح) يتبين لك من الأقرب إلى تكفير غيره، لأنك ستطالع فيما بعد اتهامهم لإمام المسجد الجامع بتكفير لحراطين كلهم! فعجبا لهم، حقا إنهم كما قال أحدهم: “سحالي تزحف ببطء نحو الكفر”، إن لم يحذروا، فالبداية تكون دائما باستنكار شيطاني بسيط، ثم تتدرج الأمور، وينفخ ابليس في أوداج المنكر لشؤم فعلته، فلا يزال يتدرج في اللؤم حتى ينسلخ تماما من الدين، وينكره، فيُنَادَى من مكان قريب، والعياذ بالله..
وجاء في البيان أن السادة الموقوفين عند الشرطة أوقفوا بأوامر عليا في الدولة..
لاحظ ضرورة إدخال اسم الدولة في بلاويهم لأن أرزاقهم لا تأتي إلا من وراء التشهير بها لأنها الراعي الرسمي للسلم والدين، فالطعن فيها عند الكفار وعبيدهم يعد من السياسية المفيدة، ومن يقرأ هذه الجملة يتبادر إلى ذهنه أن المنظمة مظلومة!
فالبيان كله موجه إلى الغرب الذي تستنصره على المسلمين – وهذا وحده حرام أشد الحرمة لأن الله تعالى نهى عن موالاة الكفار في كتابه الكريم إن كانوا يقرؤونه، والغرب ليس حليفا لهم ولا لغيرهم، بل حليف لمصالحه وكفرياته وحدها.
ولاحظ كذلك التحضر الزائف في كلمة “السادة” المذكورة في البيان، ومعروف في اللغة من هو السيد، فالمخرب ليس سيدا.
ف”السادة الموقوفون” يا سادة، انتهكوا حرمات مساجد الله وحولوها إلى ساحات للغو بأباطيل السياسة والعبودية، وتسببوا في الجمعة الأولى في وقوع مشاجرات بالأيدي داخل المسجد (وما هي الفتنة غير ذلك؟)، تسببوا في التناطح والتراكل في يوم الجمعة يوم الرزانة والتعقل، والتسامح والبركة، وفي مجال الصلاة – الممتد لما بعد الخروج من المسجد أيها الأغبياء -، والواجب احترامها على كل المؤمنين..
وأتساءل لو كان هذا الفعل في السعودية فما حكم هؤلاء، أعتقد أنه إن لم يُحكم عليهم بحد قريب من الحرابة – لقطعهم طريق الدين الأهم من قطع الطريق على الأنفس والأموال-، فلا أقل من بضع سنين خلف القضبان، أو إشعال جلودهم بالسياط أمام الملأ، لكن هذا في السعودية أما عندنا فليطمئنوا، سيُطلق سراحهم لأن الدين ضعيف، والدولة ضعيفة، كلما وقف لها عظم في الحلق كحت وبحت..
والعجيب وجود من يدعي الفقه في المنظمة، وهو يسلك مسلك العوام في فرض رأيه بالقوة، والإعتراض الهمجي على مخالفه، فأي فقه هذا..
وهنا ملاحظة: يمكن أن يكون الغرض من هذه البلبلة هو إخماد كلام الأئمة في المساجد كما هو الحال في الدول العربية اللاإسلامية المحاربة للإسلام، وعلى ذلك تكون المنظمة عميلة للدولة، والهدف من فعلتها هو المنع من الحديث في السياسة في المساجد التي هي المنبر الحر الوحيد المتبقي للمسلمين، خوفا على براميل السياسة المنتفخة لا بارك الله في الرويبضة منها..
وذكر البيان أن “أحد الموقوفين رد على الإمام ردا لاذعا بسبب اتهامه لمجموعات تعمل على هدم الإسلام بأمر من إسرائيل”، وهذا أغضب الموقوف، فقذف الإمام بلهب حلقه مما أوقع وجهه تحت كف أحد المُرْسَلين عليه من المؤيدين للإمام..
وقال البيان أن الإمام استفز بذلك الحراطين كلهم، ولمح إلى اعتراض الجماعة على أصل من أصول الدين وهو الإستعباد، واتهم البيظان كلهم بأنهم يتخذون من الإستعباد ركيزة لإسلامهم، حسب مرجعهم الأول مختصر خليل..
إن هذا المقطع وحده يكفي للدلالة على ما في نفوس القوم، وما تحمله قلوبهم من حقد ودخن، بدء برد الموقوف “اللاذع” على خطيب الجمعة! فمن أعطاه الحق ليرد على الإمام المحترم مسجده، وبوصف “اللاذع”، وفي يوم ومكان الخطبة المقدسين، وأمام المصلين الذين ما جاؤوا لسماع ترهاته، أهو احتقار المسلمين، أم تعمد الإستهانة بدينهم الذي هو الهدف الأول لهذه الجماعات التي يوسوس لها الغرب الخناس، سواء عن قصد أو عن غير قصد.
والإمام اتهم الجماعة “كذا” بأنها ربيبة اسرائيل، فمن أعطى لمحلل إيرا الغير رياضي الحق في حل هذه المعادلة، واعتبار المجهول النتن هو منظمة إيرا، مع أن الإمام لم يصرح باسمها كما صرحت هي بإسمه، والحدود تُدرأ بالشبهات كما هو معروف، ثم إن هذا رأيه، ورأي الكثير من البيظان والحراطين البريئين من المنظمة، بل لا يمكنهم إنكار وجود من يؤمن إيمانا جازما بأنهم دخلاء على هذه الأمة المسالمة – وهم الأغلبية-، لما دلت عليه تصرفاتهم المستهجنة، وآخرها سرية المساجد المشئومة..
أتُحِلون لأنفسكم حرية الرأي، وتمنعوها غيركم، فأي ديمقراطية مشئومة هذه التي تقودكم، وتقود كل أهل الضلال من غيركم؟ ترى الواحد منهم ينادي بحقوقه وحرية رأيه العفن، ويمنع غيره منها، ويعاديه عليها أشد العداء، وهو مع ذلك يزعم أنه مصلح باحث عن إحقاق الحق والعدل!.
وهنا أدعو الإمام وكل الشيوخ إلى أن يصرحوا بالدين الصحيح والعقيدة المنافية للبدع، وان يظهروا للناس ما يعتقدونه صوابا، وإن كان القول بأن منظمة إيرا “منظمة خنزيرة”، حاشاها، خصوصا الصادقين منها ممن غرر بهم الشيطان، فكل أحد يمكنه أن يسكت إلا العالم، فضريبة العلم ثقيلة، وسكوت العالم هو الذي يجرئ عليه أمثال هؤلاء، فقوموا أيها العلماء لنصرة دينكم فأنتم حراسه، لا تأخذكم فيه لومة لائم، اعرضوا آرائكم بصراحة فإما أن تغلبوا أو تغلبوا، وسيكون ذلك بالحجة والبرهان والصراحة، لا تننتظروا أن يغزوكم العدو في مساجد الله وفي بيوتكم فهو قادم إن لم تردعوه بالحجة الواضحة، وبالمعوذتين..
وإني لأعجب من زمن لأهل الباطل فيه ألوية وحملات، وأهل الحق صامتون خائفون محاصرون، يخجلون من النطق بكلمة الحق التي تغضب المخالف المنحرف، وكل هذا من شؤم البدعة المسكوت عنها..
صرحوا بآرائكم أيها السادة الحقيقيون، وإلا تجرأ عليكم السادة المزيفون، فلستم معصومين من الخطأ ولا من الأذية في هذه الدنيا، ولا تخشوا غير الله، وإن كنتم مخطئين فاعترفوا بخطئكم، وإلا فلستم أول من يصر على رأيه من العلماء، وهذا حقكم..
وبالمناسبة، فإن العبودية المذكورة في القرآن وفي كتب الإسلام، لا وجود لها في هذا الزمان، فعلى ماذا تتعب إيرا نفسها بتكرار كلمة “الدين، الدين” في قضيتها، فالدين بريء من ذلك، والموجود اليوم إن وُجد، هو ندرة قليلة من الظلم في أصقاع البلد المتخلفة، تمتهنه نسبة قليلة من الشعب لا تصل في رأيي إلى ربع الواحد بالمائة من نسبة السكان، والمفترض أن يُرفع أمرها إلى من بيده تطبيق القانون، وهو الدولة، لا عيرا (أعتقد أنه مؤنث “عَيْر”، اعزكم الله)، وإلا كان الأمر سيبة، فمن هي إيرا التي تريد أن تكون دولة داخل الدولة بكل هذا الحقد والجهل؟
وكيف يُتهم كل البيظان بالعبودية ظلما وعدوانا، وهم بريئون منها؟ أهو نوع آخر من التشيع الباطل، يقلد فيه شيعة العبودية شيعة الكفر الذين يتهمون كل أهل السنة بقتل الحسين رضي الله عنه، وهم بريئون من دمه براءة الذئب من دم يعقوب، وكذلك البيظان من العبودية..
ومن دافع عن هذه العبودية من العلماء فله وجهة نظره الخاصة به، ولا تقارع الحجة إلا بالحجة، لا الكلام البذيء، والتظاهر في المساجد في الجُمَع، ولا أحد معصوم من الخطأ حتى العالم، لكن ذلك لا ينبغي أن يكون مدعاة إلى التقليل من شأنه وأكل غيبته، وإسقاط هيبته من قلوب العامة لتنفيرهم منه ومن الدين..
ولكل عالم مداخله ومخارجه التي لا يعرفها الجاهل المجترئ عليه، ولو صح علم “العيري” الضار، لما تجرأ عليه، بل لعذره والتمس وسائل التأثير الفكرية عليه، حرصا على مصلحة الأمة ووحدتها، وتعظيما لجناب الإسلام الذي أقر العبودية، وذكرها في القرآن، ومدح وكرم العاملين من أهلها، فكلنا عبيد، لكن لله وحده، وهذه الدنيا مهما كانت الحال فيها لا تساوي شيئا، وما عبوديتها إن وُجدت إلا مسألة عارضة كان الهدف منها في الإسلام إدخال الأسرى في الإسلام، ومقابلة ما يفعله الكفار بأسرانا، وهي لا تصح إلا بالحرب بين الكفار والمسلمين، وهي باقية إلى قيام الساعة لأنها من مظاهر الحروب بين الدينين، ومعلوم أن الحرب بين الإسلام والكفر لم تنهي ولن تنتهي، كما أن العبيد ليسوا فقط السود بل فيهم البيض والحمر والصفر، وكل الناس، أما غير هذه العبودية فظلم لا يُقره إلا ظالم، في رأيي..
وفي كل الأحوال من الثابت أن نسبة العبودية أقل بكثير من نسبة الحرية، وأن الأكثرية لا تؤاخذ بجريرة الأقلية، وأن العبودية الحقيقية هي العبودية للغرب والشيطان، فلِم تذكر المنظمة العبدة للغرب كلمة “البيظان” بالتعميم عند حديثها عن كل بلية..
وفكر في جملة أن “الإمام استفز لحراطين كلهم” التي وردت في البيان، يتبن لك أن المنظمة سوسة تنخر في المجتمع ببث الفتنة بين مكوناته، فالإمام لم يستفز إلا منظمة إيرا، والسؤال المطروح هنا: هو لم صلى الثلاثة الذين اعترضوا عليه خلفه إن كانوا بمثل هذا البعد عنه، والجهل عليه؟
وهنا وقفة مهمة جدا، وتحية إجلال وتقدير وحب لإخوتنا في هذا الوطن، وهم الحراطين، فو الله إني شخصيا لأحب صالحيهم أكثر من البيظان، والله يشهد على ما في قلبي، ولا أحمل لأحد ضغينة ولا حقد، ولا أفرق بين الناس إلا بالتقوى، وهو مفهوم التعدال عندنا نحن العامة، فالحرطاني الطيب الخلوق خير ألف مرة من البيظاني الخسيس..
وجاء في البيان أن أحد الموقوفين قال “إن الصلاة خلف هذا الإمام المكفر لا تجزئ، لذا يجب على الحضور إعادة صلاتهم”..
عجيب هذا الفقه العيري التحرري، قال “الصلاة خلف الإمام المكفر”، ولم يقل الكافر، رماه بشبهة التكفير، والإمام لم يقل إن المنظمة كافرة ولن يقول ذلك إلا إذا ثبت له أنها كويفرة بالدليل القطعي، فهو ليس كفقيه الفتنة الذي يطلق الكلام على عواهنه، ويعتمد على الإستنتاج العقلي، ويصدر حكما فقهيا في مملكة الإمام (مسجده)، ويقول للناس أعيدوا صلاتكم التي ما جئتم قاصدين المسجد إلا لها! أفلا قال إن صلاتهم صحيحة بغض النظر عن حال الإمام، لو كان يفقه في غير الحقد والسخط..
فأي فقه هذا، وأي جرأة على الفتوى وعلى حرمات الله؟ وإن لم يكن هذا تكفيرا صريحا للإمام، فما هو التكفير، “ألا في الفتنة وقعوا”، أبعدهم الله..
وهنا ملاحظة دقيقة أهديها لعلمائنا الكرام وهي أن كل مبتدع ضال يتهم أهل الصلاح بما فيه هو، وهذا ملاحظ في كل الطوائف والفرق، وما تبعهم من جماعات منحرفة، وعلى رأي المثل: رمتني بدائها وانسلت..
وقال البيان إنه حدثت ملاسنات بين الناعق وأحد الجنود الخفيين المدافعين عن علمائهم وأئمتهم – وهم أكثرية -، فلاحظ يا أخي المعجب بهذه المنظمة أن الإمام لم يتدلى ليكون قاب قوسين من الفجور كما فعل صاحب إيرا، بل نزه نفسه ولسانه ويده عن الجاهلين، فجاء الرد من أهل البركة من العامة الذين تخطئ هذه المنظمة كثيرا إن توهمت أنها ستستدرجهم إلى أباطيلها بمثل هذه الترهات..
وهنا ملاحظة، وهي أنه: إذا كانت الصلاة خلف هذا الإمام لا تجوز فلماذا حضرتم للصلاة خلفه في الجمعة الثانية؟
وهنا تعلم أن هدفهم ليس التدين، ولا إصلاح الدين، ولا حل معضلة العبودية، بل إثارة الفتن بين المسلمين، وما يخرسهم حتى الآن إلا إحساسهم بالضعف والعجز وقلة الحيلة والعدد، كمن سبقهم من المنافقين الذين ذهب شؤم نواياهم السوداء بسوادهم..
واعذروني على هذه العبارات، فأنا أعرف أنني أتحدث عن شرذمة قليلة متفرقة من الحائرين المستبدلين البصل والثوم بالمن والسلوى، ولولا تعرضها للدين لما تحدثت عنها، لكنها حرقة التفرج على مثل هذا الجهل المتفاقم يوما بعد يوم..
إذن هدفهم من حضور الجمعة ليس الإنصات للخطبة التي شرعت من أجلها، والتدبر فيها، بل الصيد في المياه العكرة، وتصيد تلميحات الإمام حول العبودية، ولو علموا عالما آخر مخالفا لهم لجاؤوا إليه يهرعون كاللوطية، وقالوا: ألم ننهك عن هذا (كما فعلوا من قبل في مسجد الشرفاء)، فالعبودية تتحول شيئا فشيئا إلى معبود لهم، والشيطان يدخل عليهم من أبوابها الكئيبة، ويبغضهم في الإسلام بسببها، ويزين لهم وجوه الكفار العابسة، وروائح افواهم العابقة بالخمور والسجائر..
والبدع وعظائم الأمور تبدأ صغيرة، وشؤمها هو الذي ينميها، ولا أشأم من حرق كتب المسلمين في وضح النهار، والتعرض لخطبائهم وعلمائهم، حتى لم ينج أحد منهم من تبرم المنظمة، ومعروف أنه من المستحيل أن يتواطأ كل العلماء على الباطل، فمن اتهمهم كلهم بالباطل فهو المبطل، والمنظمة تجمعهم في بياناتها كما جمعت من قبلهم البيظان كلهم..
والمخجل هو عدم تنزههم عن عبارات العنصرية المقيتة ك”علماء البيظان”، و”البرابرة”، وغيرها من عبارات السوء التي لا تصدر إلا من عَيْر، وتعميم ظنهم ظن السوء على البيظان كلهم، وهذا منتهى الجهل والغباء والخفة (كإخوتهم الشياطين).
ثم اتهم البيان الإمام باستغلاله المنبر من أجل قضاياه الأسرية والتقرب إلى السلطة، وهذه ليست تهمة، فقضاياه الأسرية شأن خاص به، لا علاقة له بقضية المنظمة الزائفة، فكان أحرى بها عدم الحديث عنها إن صح زعمها، فلسنا أمام صديق.
أما تقربه إلى السلطة فهو الأصل في الإسلام، يعرف ذلك كل من يفهمه فهما صحيحا، فالعالم والسلطان ككفتي ميزان، لابد أن يتعاونا على البر والتقوى وتقويم العامة، وإن لم يتفقا فعلى الأقل لا يجب أن يختلفا اختلافا يسبب البلبلة للعامة.. فتقربه من السلطة مدح له لا ذم، إلا عند الجاهلين كالإخوان الديمقراطيين وأمثالهم من المنحرفين..
وقال البيان أن الإمام وغيره من أئمة البيظان يستغلون المنبر من أجل تجريح المنظمة وزعيمها ولحراطين عامةَ!
أصبحت المنظمة فوق الأئمة، ومنابرها المشئومة خير من منبر الجمعة، وزعيمها الذي تولى كبره، فوق العلماء، وكل أهل الخير ممن يعلم ما لا يعلم، ويحفظ ما لا يفهم!
أصبح التعرض لهذه المنظمة المشبوهة حرام، ومعاداة للسامية “العَيْرية”، في حين أن لحوم العلماء، ومساجد الله مستباحة!
فأي نظر مقلوب للأمور هذا.. لم تكفهم الشوارع للتظاهر، فصاروا يتظاهرون في الجُمَع داخل بيوت الله!، ولم يكفهم سب عزيز والوزير حتى سبوا العلماء، وحاولوا إسقاط هيبتهم من قلوب العامة..
وقال البيان “إنه لم يعد مقبولا بعد الآن ترك الحبل على القارب لكل من هب ودب ممن يعتلون المنبر لتكفير مجموعات أخذت على عاتقها مهمة تطهير الإسلام من كل الشوائب، وخاصة الإستعباد، وما يتعلق بانتهاك حرمات الله من زنا بالإيماء، وتأويل خاطئ للدين”..
بصراحة لقد فاجئتني هذه الفقرة النتنة، لكني أتحدث أولا عن هذا التهديد الأرعن، يهددون أئمة المنابر، كأنهم يقولون لهم سنحضر في كل جمعة، وعند كل محاضرة لنحرمكم من الحديث ولو بكلمة عن العبودية، وعن انحرافاتنا! فكأن الدولة معدومة.
ولاحظ هنا أن أمثال هذه المنظمات تتقوى بالغرب وأمريكا على الخصوص، فالواحد منهم يعتقد أن الدولة تخشاه، وأن الشعب يخشاه، وأنه دولة داخل الدولة لأنه حليف للشياطين، وأنه إذا تم القبض عليه سيقيم الكفار الدنيا ولا يقعدوها دفاعا عنه، وربما يرسلون طائرات أف 16 لتخليصه من لمخينز (السجن)، وتنصيبه ملكا على العبيد، فهذا التهديد وحده يكفي دليلا على خبث المنظمة..
والجملة “تطهير الإسلام” تدل على غباء ما بعده غباء، فما لم يطهره أئمة الإسلام على مدى 14 قرنا وأكثر، لن يطهره أئمة الفتنة والحقوق الدستورية الفرنسية التي ما أنزل الله بها من سلطان..
من أنتم لتضيفوا حرفا واحدا أو تنزعوه من الإسلام، أجننتم يا رعاة؟ أم أن قلة الخوف من الله والجهل به يدفعانكم إلى التلفظ بمثل هذه الكلمات العظام تقربا من الشيطان الغربي الذي يطربه اختلاف المسلمين فيما بينهم، واعتراض بعضهم على دين آبائه وأجداده..
إن قضية العبودية ثابتة معروفة، ولكل مذهب رؤيته لها، وقد تتفق المذاهب وقد تختلف، لكنها تقرر ما جاء به الإسلام الذي لا حاجة له إلى مطهراتكم النجسة المستوردة من الغرب..
والذي فاجئني في هذا المقطع الخبيث هو اعتبار الإستعباد من شوائب الإسلام، وإنكار حق التسري بالإماء الثابت في القرآن والسنة، وهذا وحده يعطي كل إمام الحق في لعنهم وتكفيرهم، وليس فقط إمام المسجد السعودي كما زعموا.
أيعقل أن تكون العبودية من شوائب الإسلام، والله تعالى يقول: “الحر بالحر والعبد بالعبد”، ذكر العبد ووضعه دون الحر سواء رضيت المنظمة أم سخطت..
وقال: “ومن لم يستطع منكم طولا أن ينكح المحصنات فمما ملكت أيمانكم من فتياتكم المؤمنات”، فمن يعد هذا من الزنا غير جاهل ناعق…
وتستغرب المنظمة في البيان عدم استدعاء الشرطة للإمام الذي هو في نظرها المسئول الأول عما حدث، وتتكلم بمنطق قانونها الفرنسي (الطرف الآخر، والطرف الخفي)، متناسية أن الرجل إمام المسجد، وإمام المسلمين، وهو المتعرض للإعتداء في مسجده، ولم يرد، بل رد عنه غيره، ممن تستغرب أيضا إطلاق سراحه، فأي تحليل ارعن لأمور هذا؟
وتكررت كلمة “الحراطين عامة” لأنها عقدة المنظمة فهي تعلم أن لا أحد من الحراطين ولا من المسلمين الفاهمين معها، لذا تركز على استثارة مشاعر المغيبين الذين يتبعونها نحو الهاوية إن شاء الله..
واختتمت منظمة الشؤم بيانها التحريضي بالتحريض، والمزيد من التحريض، وهو الهدف الأساسي لها وله، داعية إلى التعبئة ضد الأئمة، وضد مساجد الله، لتطهير المسلمين من دينهم الذي جعلته غير صحيح!.
وذكرت الرئيس والدولة للظهور أمام الغرب بمظهر المصلح المُحَارَب من قبل بلده ورئيسه وشعبه، والغرب يعلم حقيقة المنظمة ومن هو ألعن منها، وهي تعلم ذلك، لكنهم جميعا يلعبون لعبتهم القذرة التي لا هدف لها إلا النيل من الإسلام والمسلمين..
فأحذروا أيها الإخوة من خطوات الشيطان التي تتبعها هذه المنظمات العفنة، واعلموا أن الظلم سنة من سنن الحياة، لا مفر من وجوده، وأن أمريكا التي يتقوون بها هي أكبر ظالم في العالم اليوم رغم تشدقها بعبارات العدل والصلاح، يعلم ذلك كل إنسان على ظهر هذا الكوكب.
وفكروا بمنطق العقلاء، يهديكم إلى أنه لا يرضى بالظلم (وأقصد العبودية هنا) إلا ظالم، فلا تظلموا غير الظالمين، ممن هو بريء منه، ويستهجنه (وهم أكثرية، لن أبالغ إذا قدرتهم بنسبة 99 بالمائة من السكان تقريبا، وإلا فأحصوا حالات الإستعباد التي تعلوننها في مطلع كل عيد)، فلا تقعوا في الفتنة التي تعود عليكم قبل غيركم من جيرانكم في البلد والدين بالخذلان والبوار، وتحول بلدكم الفقير المزهر بأمنه الدافئ، إلى مسلخ تحلق في سمائه العقبان والغربان، لا قدر الله..