أخبارأخبار عاجلةإقتصادعربي

موريتانيا ودبلوماسية الشراكات الإقليمية.. المغرب تونس مصر

أنباء انفو- تشهدعاصمة موريتانيا انواكشوط، هذه الأيام ديناميكية دبلوماسية متسارعة تُعيد رسم ملامح دورها الإقليمي، وتكشف عن طموح مشروع لبناء جسور جديدة نحو العمقين العربي والإفريقي. وفي خضم هذه الحركية المتعددة الأطراف، يبرز المغرب بصفته الشريك المحوري، و”رُبطة العقد” التي يمكن أن تختصر على نواكشوط مسافات طويلة في سعيها نحو تعزيز الحضور في السوق الإفريقية، والولوج الآمن والمنظم إلى الاقتصاد العالمي.

فالمغرب لا يمثل فقط بوابةً جغرافية نحو أوروبا والمتوسط، بل يعد تجربة تنموية فريدة في القارة الإفريقية. ومن خلال تعزيز التعاون معه، لا تقتصر موريتانيا على تبادل المنافع التجارية أو دعم البنى التحتية، بل تستفيد أيضًا من نموذج ناجح في الإصلاح الاقتصادي والتحديث الإداري والاندماج القاري.

تتجلى هذه الرؤية الجديدة لموريتانيا في تعدد واجهات التعاون، كما دلّ عليه الزخم الدبلوماسي الذي شهدته نواكشوط خلال مايو الجاري، حيث استضافت اللجنة العليا المشتركة مع مصر، واحتضنت المنتدى الاقتصادي التونسي الموريتاني، إلى جانب استمرار الحوار الاستراتيجي مع المغرب.

غير أن العلاقة مع المغرب تبدو الأكثر اكتمالاً وعمقاً، ليس فقط بسبب التقارب التاريخي والثقافي، ولكن لأن الرباط تمثل نقطة توازن حيوية بين المغرب العربي والساحل، ما يجعل من تقوية التعاون معها خيارًا استراتيجيًا وليس مجرد مجاملة دبلوماسية.

اللقاء الذي جمع في ديسمبر 2024 بين الملك محمد السادس والرئيس محمد ولد الشيخ الغزواني شكّل نقطة تحوّل في مسار التعاون الثنائي، وهو ما تُرجم لاحقًا في المنتدى البرلماني الاقتصادي المشترك، الذي ركّز على قطاعات محورية مثل التعليم والصحة والطاقة المتجددة والتجارة والبنية التحتية.

وفي خطوة ذات دلالة رمزية واستراتيجية، دعمت المملكة المغربية مشروع إنشاء بورصة نواكشوط، مما يفتح أمام موريتانيا آفاقًا جديدة في التمويل والاستثمار. كما أن اقتراب استكمال معبر “أمغالا” الحدودي يُعد تطورًا لوجستيًا بالغ الأهمية، من شأنه إعادة تشكيل مسارات التجارة العابرة للصحراء، وتوفير منفذ بديل وآمن نحو الأسواق الإفريقية الكبرى.

من خلال هذا التموقع الجديد، تبدو موريتانيا وكأنها تعيد تعريف موقعها في الخارطة الإقليمية: بلدٌ لا يكتفي بالانكفاء داخل حدوده، بل يسعى للعب دور الوسيط بين الشمال والجنوب، بين إفريقيا الغربية والمغرب العربي، وبين الدينامية المتوسطية والساحل الإفريقي.

وهذا الدور لا يمكن أن يُكتب له النجاح دون شراكات استراتيجية وذكية، والمغرب يأتي في مقدمتها، لما يمثله من تجربة وخبرة، ولما توفره بنيته التحتية من إمكانات حقيقية لتسريع التكامل الاقتصادي. فكأن المغرب يمثّل “العقدة الرابطة” التي تسمح لموريتانيا بربط خيوط الطموح الوطني بمنظومة إقليمية أوسع.

في عالم تتسارع فيه التكتلات وتتعاظم فيه رهانات التنمية والاستقرار، لم تعد العواطف وحدها تكفي لبناء العلاقات بين الدول، بل إن ما يُطلب اليوم هو الرؤية الاستراتيجية، والمشاريع القابلة للتنفيذ، والشراكات التي تُحدث فرقًا. وفي هذا السياق، فإن رهان موريتانيا على المغرب ليس رهانًا عاطفيًا أو تقليديًا، بل هو رهان براغماتي بامتياز، يُمكن أن يُعيد صياغة دور نواكشوط على الساحة الإفريقية والعربية، ويحوّلها من هامش التبادلات إلى مركز عبور وتكامل.

مواضيع مشابهة

أضف تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

Back to top button