ملاحظات أخرى عن زيارة الحوضين / محمد الأمين ولد الفاضل
لقد حاول الإعلام الرسمي أن يجعل من زيارة الرئيس للحوضين زيارة تفقد واتصال، والحقيقة أنها ليست كذلك، فلو كان الرئيس يسعى فعلا إلى التفقد لتفقد شركة “اسنيم” المهددة بالانهيار من قبل أن يتفقد ما في الحوضين من “مصانع”، ولو كان يسعى للاتصال بالمواطنين لاتصل
بعمال “اسنيم” المضربين من قبل الاتصال بعمال مصنع الألبان المتعثر في الحوض الشرقي، أو بعمال مصنع الأعلاف الذي ظهر بشكل مفاجئ في الحوض الغربي، والذي قد يختفي بنفس السرعة التي ظهر بها .
ولو كانت هذه الزيارة للتفقد وللاتصال لكانت على الطريقة “الهيدالية” في الزيارات، فقد كان الرئيس السابق هيدالة لا يعلن عن الزيارة التي سيقوم بها إلا بعد الوصول إلى المنطقة المزورة، ولم يكن يأتي إلى الأماكن المزورة بأمم من المصفقين والمطبلين لا يراد منهم إلا أن يشكلوا سدا منيعا يحجب عن الزائر رؤية أو سماع مطالب السكان الحقيقيين لتلك المناطق المزورة . لو كان الرئيس عزيز يريد أن يتفقد حقا بعض المشاريع، ولو كان يريد أن يتصل حقا بسكان المناطق المزورة لقلد الرئيس هيدالة في حسنة الزيارات المفاجئة، والتي تكاد أن تكون هي الحسنة الوحيدة التي تركها الرئيس هيداله في ميزان عهده.
ولو كان الرئيس يسعى حقا لتفقد المناطق المزورة والاتصال بسكان تلك المناطق لفعل مثل ما يفعل السفير الأمريكي في زياراته “الداخلية” في بلادنا. لقد زار هذا السفير 11 ولاية في أقل من ستة أشهر، زارها دون تغطية إعلامية، ودون أن يرافقه أكثر من شخصين أو ثلاثة. ولقد كان السفير الأمريكي يتصل فعلا بالسكان في الأرياف وفي المدن، وقد كان يطلع على أحوالهم، وقد شاهدنا صورا له وهو في مطاعم شعبية، وفي حفلات، وفي مناسبات اجتماعية، شاهدناه مع الأطفال، ومع النساء، ومع أصحاب الحرف الصغيرة. لقد أصبح السفير الأمريكي أكثر اطلاعا على أحوال المواطنين الموريتانيين من الرئيس الموريتاني، والمقلق في الأمر أن ما جمع السفير الأمريكي من معلومات عن أحوال الناس في بلدنا لن يتم استخدامه لصالح موريتانيا، وإنما سيتم استخدامه لجلب الضرر لها.
(2)
إنه لا يمكننا أن نتحدث عن زيارة تفقدية للحوضين في عام التعليم هذا ومع ذلك فلا يكون من بين محطات تلك الزيارة زيارة لأعرق ثانوية بمنطقة الحوضين، بل وأعرق ثانوية في كل الشرق الموريتاني.
لقد أتيح لي أن أزور ثانوية لعيون مع الافتتاح الدراسي لهذا العام، وذلك من قبل الإعلان عن سنة للتعليم، ولقد شاركتُ في بعض الأنشطة التطوعية التي قدمتها مبادرة “كنتُ طالبا في ثانوية لعيون” بمناسبة الافتتاح (يوم تفكيري عن التعليم بالولاية، دورات لطلاب الثانوية، توزيع حقائب مدرسية). لقد صدمتُ عندما زرتُ هذه الثانوية التي وجدتها على نفس الحال الذي تركتها عليه في منتصف الثمانينيات من القرن الماضي.
ثلاثة عقود ولا شيء تغير إلى الأحسن في هذه الثانوية، بل إن كل شيء فيها قد تغير إلى الأسوأ (نوافذ متكسرة، طاولات أثرية، مباني تثير الشفقة). لم تضف كل الأنظمة المتعاقبة جديدا على البنية التحتية لأقدم ثانوية في الشرق الموريتاني، سوى بناية واحدة من غرفتين أو مسجدا تم تشييده على نفقة متبرع من دولة شقيقة.
فلو كانت هذه الزيارة زيارة للتفقد وللاتصال لتفقد الرئيس أعرق ثانوية في الحوضين خاصة وأننا نعيش في عام تمت تسميته بعام التعليم، ولأن البعض قد يقول هنا بأن الرئيس إن لم يكن قد زار ثانوية لعيون إلا أنه في المقابل قد زار جامعة لعيون التي يرجع له الفضل في تشييدها. صحيح أن الرئيس قد زار جامعة لعيون، وصحيح أيضا أنه هو من شيدها، وله الشكر على ذلك، ولا شك أن الجميع قد انبهر بالمظهر الخارجي لهذه الجامعة التي تم تشييدها بحجارة لعيون الرائعة. لا شك في كل ذلك، ولكن يبقى السؤال هو: هل تفقد الرئيس الجامعة عندما زارها؟ وهل اطلع من الداخل على أكبر مدرجاتها وهو المدرج الذي لم يعد صالحا بعد أن تهاوى سقفه؟ وهل كان الرئيس سيطلع على الأوضاع المزرية التي يعاني منها طلاب هذه الجامعة لو لم يبادر الطلاب إلى تنظيم مسيرة للمطالبة بلقاء الرئيس؟
(3)
لقد أثبتت هذه الزيارة حقيقة قديمة جديدة وهي أن كارثة هذا البلد تكمن أساسا في نخبه، فهذه النخب، أو جلها على الأقل، على استعداد كامل لأن يبيع البلد بما فيه وبمن فيه مقابل امتيازات ومكاسب شخصية يمنحها له الحاكم.
لقد صدمتُ كثيرا وأنا أشاهد على شاشة قناة محلية جمعا كبيرا من كبار الأطر ومن الأكاديميين ومن المنتخبين قد اجتمع في مبادرة ليعبر عن دعمه المطلق للرئيس، لا لشيء، إلا لأن الرئيس كان قد شرف القبيلة بتعيين أحد أبنائها وزيرا أول. ولقد صدمتُ أكثر عندما استمعت لأستاذ جامعي تقلد العديد من المناصب الرفيعة يطالب ذلك الجمع بأن يتتبع الرئيس في كل محطات الزيارة، وأن يستقبله في كل محطات الزيارة، وأن يساهم في حشد المستقبلين، فذلك هو أقل ما يستحقه هذا الرئيس الذي عين أحد أبناء القبيلة وزيرا أول.
ولقد صدمت أيضا عندما شاهدتُ صورة لشيخ من المحامين وهو يرفع لافتة تطالب بتعديل المواد المحصنة من الدستور الموريتاني. لقد تعودنا في هذا البلد على أن يكون رجال القانون هم أكثر الناس جرأة على انتهاك القوانين، وعلى أن يكون كبار فقهاء القانون الدستوري هم أول من يصف الانقلابات العسكرية بالحركات التصحيحية.
(4)
لقد أثارت هذه الزيارة جدلا كبيرا في مواقع التواصل الاجتماعي، وذلك بسبب مرافقة رئيس حزب “معارض” للرئيس في زيارته، وكذلك بسبب ظهور بعض النواب المعارضين في الحشود التي استقبلت الرئيس. ففيما يخص مرافقة الرئيس بيجل للرئيس عزيز، فلا غرابة في الأمر، فالرئيس بيجل لم يخلق للمعارضة، والمعارضة لم تخلق للرئيس بيجل، وعلى حزب الوئام أن يصدق الشعب الموريتاني، وعليه أن ينضم علنا إلى الموالاة، وأن يرفع شعار “المولاة المسؤولة” بدلا من رفع شعار “المعارضة المسؤولة”.
أما فيما يخص نواب تواصل فإن استقبالهم للرئيس كان نتيجة طبيعية لمشاركة هذا الحزب في انتخابات 23 نوفمبر التشريعية. إنه ليس من المنطقي أن نقبل بأن يلتقي زعيم “المعارضة الدستورية” بالرئيس عزيز، وأن لا نقبل بأن يلتقي النواب الذين منحوا لعمدة بلدية عرفات زعامة المعارضة الدستورية بنفس الرئيس الذي يلتقي به زعيم المعارضة من حين لآخر.
إنه ليس من المنطقي أن تقول لأهل دائرة انتخابية أن يصوتوا لك، وأن ينتخبوك نائبا لهم لتوصل همومهم إلى الرئيس، ثم تقرر بعد ذلك أن تقاطع الرئيس عندما يزور المقاطعة التي انتخبتك. لم يكن من المناسب أن يقاطع نائب زيارة رئيس، وذلك في وقت خرج فيه كل من انتخب ذلك النائب لاستقبال ذلك الرئيس.
ففي اعتقادي فإن الخطأ لم يكن في استقبال بعض النواب التواصليين للرئيس عزيز عندما زار ولايتهم، وإنما الخطأ كان أصلا في مشاركة حزب “تواصل” في انتخابات 23 نوفمبر.
انتظروا مفاجأة الخميس من رئيس المفاجآت.
حفظ الله موريتانيا..