مقالات

الميزات الفريدة في سياسة التعاون الصينية / محمدو ولد البخاري عابدين

انباء انفو- دخلت مرة على أحد باعة الهواتف النقالة، وسألته عن سعر هاتف صيني، فقال لي إنه بالمبلغ كذا.. قلت له سأحكي لك طرفة وإذا أعجبتك بعت الهاتف بسعر أقل، فقال تفضل احكيها.. قلت له إن أحدهم حبك هذه القصة، وهي تقول إن مواطنا صينيا كان يعمل هنا في موريتانيا، فتزوج من فتاة موريتانية 

سمراء أنجب منها طفلا جميلا ” عُجن” فيه لون الصينيين الأصفر ولون الأفارقة الأسمر.. مما جعل الجيران يحبونه ويأتونه يوميا بالهدايا والحلوى، لكن الطفل مات في الرابعة من عمره، فجاء الجيران مرة حاملين هداياهم لكنهم لم يجدوا الطفل فسألوا عنه أمه، فأخبرتهم بأنه مات.
حزن الجيران وتأثروا أيما تأثر لهذا الخبر، لكنهم استغربوا من أن أمه غير متأثرة، بل كانت تضحك وكأنها ليست أما فقدت فلذة كبدها، وخاصة أنه كان طفلا جميلا.. سألوها عن السر في ذلك، فقالت لهم إنها لم تحزن عليه لأنه مجرد ” طفل صيني ” كانت تتوقع أن يموت في أي لحظة على غرار الأجهزة والصناعات الصينية..!
هكذا هي الصين في عيوننا، لكن الصين اليوم شيء آخر، لا يحتاج محدث إلى الحديث عما أصبحت عليه، فبعد أن ظلت الولايات المتحدة تحمل اسم ” الدنيا الجديدة ” في الغرب طيلة القرن العشرين، ها هي هذه الدنيا الجديدة تحزم أمتعتها اليوم باتجاه الشرق ونحو الصين بالذات. ولدى الصينيين كل أنواع ودرجات الصناعات، وليختر المشتري ما يختاره منها، رخيصا ورديئا كان، أو ثمينا وغاليا.. هذا في المجال التجاري، أما في مجال التعاون، فللتعاون الصيني الكثير من الميزات التي تناسب وتلبي حاجات عالمنا الثالث. 

فالصينيون يهبون ويمنحون ويمولون بفوائد ميسرة، لكنهم أيضا ينفذون ما يمولونه، أو ما يسند إليهم من منشآت من تمويل غيرهم بسرعة وإتقان، وفي ذلك يقول أحد المتفكهين إنه مر عليهم في طريقه إلى روصو وهم يحفرون أساسات المبنى القديم لشركة ” سونادير ” في مقاطعة عرفات، وعاد في المساء فوجدهم يغتسلون وقد أنهوا الأعمال فيه..

والصينيون لا يحتاجون في التعاون معهم لما يتطلبه الظفر بالحصول على رأس المال الغربي من وسطاء وعلاقات عامة وابروتوكولات، وإجبارية مرور بمؤسسات مالية دولية لها معاييرها وأهدافها الخاصة وروتينها الطويل..
وهم لا يتدخلون للشعوب في خياراتها ولا في دياناتها وثقافاتها، كن مسلما أو مسيحيا أو ملحدا، أو كن نظاما ليبراليا أو اشتراكيا، سلفيا أو علمانيا، ديمقراطيا أو شموليا.. فالصينيون يتحركون طبقا لمصالحهم وبحثا عن مكانة لأمتهم الصاعدة بسرعة صاروخية، لكنهم، وهم يبحثون عن مصالحهم، يرعون أيضا مصالح الآخرين، على العكس من جهات أخرى تسعى دوما للحصول على مصالحها، لكنها لا تسخى إلا بالفتات وبالكثير من الشروط الضامنة للتبعية الاقتصادية والثقافية لها، والمغلفة بمصطلحات الديمقراطية والحكم الرشيد وحقوق الإنسان! وربما يؤخر الصينيون فرض الشروط الضامنة للتبعية الاقتصادية والثقافية لهم إلى وقتها المناسب، حين يصبحون هم المسيطرون..
وفي هذا المجال قرأت لمواطن موريتاني، يبدو أنه مقيم في الصين، مقالا يعالج آفاق التعاون الموريتاني الصيني، و” يطرح أراي ” للصينيين بأن عليهم التعامل مع الشعوب بدل التعامل مع الأنظمة التي يعتبرها فاسدة.. ويالها من مضيعة للوقت أن نقترح على الصينيين ماذا عليهم فعله! فواضحة جدا للصينيين أهدافهم ومصالحهم والطرق التي يصلون بها إلى تلك المصالح والأهداف، ويدركون أنهم يسابقون الوقت، وينافسون قوى دولية أخرى، على خلق مكانة لهم في قارة نهب الآخرون خيراتها وتركوا شعوبها تستف التراب جوعا، وتعاني نقصا حادا في مجال البنى التحتية والإنشاءات ( ديدن الصينيين )، ولم يقدم لها ناهبوا خيراتها ومستعمروها، بعد أن شبعوا وتغطوا من تلك الخيرات، سوى دروس ومواعظ الديمقراطية وحقوق الإنسان ( الطير في سياق الموت والطفل يلعب )! وبالتالي فلن يضيع الصينيون ثانية واحدة في انتظار أن يصبح هذا الحكم أو ذاك رشيدا أو صالحا، ديمقراطيا أو شموليا، خاصة أن معظم مجالات تعاونهم هي بنى تحتية باقية..

بالنسبة لنا لا مدينة اليوم من مدننا إلا وبها ورشات تنموية، إما طرقا لربطها بالشبكة الطرقية، أو شبكات مياه، أو محطات كهرباء، أو مستشفيات ومراكز صحية، أو مدارس وإعداديات وثانويات ومعاهد ومدارس صحية أو مهنية، أو ملاعب ودور شباب ومباني إدارية للمصالح الإدارية والأمنية، ويتولى تنفيذ العديد من هذه المنشآت مقاولون وطنيون يأخذون الكثير من الوقت لإنهاء الأعمال فيها، ولا يحترمون المعايير الفنية في تنفيذها.
لدينا إذن مشكلة إسمها المقاولون الوطنيون، كنا نعلم ذلك من قبل، وقد وقف عليه رئيس الجمهورية خلال زيارته الأخيرة للولايات، واعترف به وزير الإسكان بالأمس، كما اعترف به أسلافه في الوزارة من قبل، عازما على فسخ العقود مع الجهات الغير قادرة على الوفاء بالتزاماتها في تنفيذ المنشآت المسندة إليها في الوقت المتفق عليه، وبالمعايير الفنية المطلوبة. ومشكلة هؤلاء المقاولين الذين يجمع أغلبهم بين ” خصلتي ” نقص الخبرة وغياب المسؤولية، أنهم كمثل ” أمحارت الشط ” التي يقولون إن من أخذها من مكانها يموت أباه، ومن تركها تموت أمه..! فهم إذا أسندت الدولة بناء المنشآت لشركات أجنبية تمتلك الخبرات وتلتزم بالمعايير، أقاموا الدنيا ولم يقعدوها متهمين الدولة بإقصائهم وتجويعهم، وإذا انطلقت الدولة من أنه كلما كان البناء والتعمير بأياد وطنية كلما كان ذلك أحسن، وأسندت لهم بناء المنشآت، اعتبروا ذلك فرصة لتكوين رأس المال على حساب الدولة ومنشآتها والمجتمع ومصالحه، وكثيرا ما يمضون في تنفيذ المنشآت حتى المنتصف ويتوقفون ابتزازا للدولة من أجل دفع المزيد!

مواضيع مشابهة

أضف تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

Back to top button