مقالات

عاجل …إلي رئيس المجلس الأعلى للدولة “الحقائق السبع”

بقلم : محمد الأمين بن الفاظل

هذه هي الرسالة المفتوحة الثامنة التي أكتب لكم، وهي رسالة ستقتصر علي تقديم بعض الحقائق التي أتمني أن لا تغيب عنكم خلال الأيام الثلاثين من شهر الفرصة الأخيرة.
1ـ الوقت ليس لصالحكم ، هذه هي الحقيقة الأولي التي يجب أن نبدأ بها هذه الرسالة ، لأنه للأسف الشديد قد ساد اعتقاد خاطئ ـ حتى لدي بعض الآراء المحايدة ـ بأنه كل ما مر وقت علي هذه الأزمة كلما كان ذلك في صالح المجلس العسكري .
البعض كان يبرر ذلك بأن أحزاب ” الجبهة ” ستتفكك شيئا فشيئا ، وهذا لم يحدث فالجبهة لم تزل متماسكة، بل أنها قد تزداد قوة وصلابة كلما زاد عمر هذه الأزمة لأسباب موضوعية ليست هي موضوعنا في هذه الرسالة، فقط يكفي هنا أن أشير إلي مفارقة ـ قد تبدو في ظاهرها غريبة ـ وهي أن الأحزاب التي واجهت مشاكل صعبة خلال الأشهر الماضية هي الأحزاب التي دعمت ” التصحيح ” ( التكتل ، حاتم ، حزب ” صار ” ) أما ” التحالف ” و “تواصل ” واتحاد قوي التقدم فهي أحزاب قد استعادت خلال الأشهر الماضية كثيرا من عافيتها .
فليس من الغريب أن يطالب حزب من جماهيره ـ بغض النظر عن النوايا ـ بضرورة العمل علي إفشال انقلاب عسكري، ولكن الغريب حقا هو أن يطلب حزب سياسي من جماهيره مساندة انقلاب عسكري مهما كانت رجاحة التبريرات التي يبرر بها ذلك النداء .
والبعض كان يراهن علي أن الرفض الدولي ستخف حدته مع مرور الوقت وذلك بعد أن يفهم العالم حقيقة ” الحركة التصحيحية ” من خلال “رسل التصحيح ” الذين جابوا مشارق الأرض ومغاربها ، جماعات وفرادى ، و أُُنفِقت علي أسفارهم مبالغ ضخمة من أموال الشعب ومع ذلك لم يحققوا ـ خلال المئتي يوم الماضية ـ شيئا مذكورا، بل علي العكس فقد بدأت بعض المجموعات الدولية بتنفيذ بعض العقوبات الفردية وقد تتبعها مجموعات أخري إذا ما أضعنا الفرصة الأخيرة .
البعض الآخر راهن علي أن شرعية ” التصحيح ” يمكن أن تأتي من خلال العمل الميداني ومن خلال التركيز علي الهموم الحقيقية للمواطن العادي، أي أن الشعب سيلتف حول من يهتم بقضاياه بالأفعال لا بالأقوال ، وبغض النظر عن الخلاف حول تلك الشرعية إلا أنه يمكن القول هنا بأن المجلس العسكري لأسباب وجيهة لم و لن يستطيع ـ حتى ولو كان جادا في ذلك ـ أن يقدم عملا ميدانيا ملموسا يكسبه تلك الشرعية المفقودة .
وأقصي ما كان يمكنكم فعله ـ وهو ما تحدثت عنه سابقا ـ هو أنه كان بإمكانكم فتح ” شهية” المواطن العادي للتعلق بكم وربما انتخابكم في وقت لاحق لو أنكم تركتم الرئاسة في وقت مبكر قبل أن تُُسد شهية هذا المواطن ، الشيء الذي بدأ يحدث الآن .
لقد فتحتم شهية المواطن العادي من خلال زيارة الأحياء الفقيرة ومن خلال الوعود بتخفيض الأسعار وبمحاربة الفساد وبتوزيع العدالة بين الناس، ومن خلال القول بأن الدولة تملك الوسائل الكافية لتحقيق ذلك.
لكن الخطأ الذي تم ارتكابه هنا هو بقاؤكم في السلطة سبعة أشهر مما جعل المواطن العادي يكتشف أن وعود رئيس المجلس العسكري لم تكن تختلف عن غيرها من الوعود السابقة .
والحقيقة أن وعودكم لم يكن بالإمكان تحقيقها حتى ولو جئتم بفريق من “الملائكة” في ظل انقسام داخلي حاد تزداد حدته يوما بعد يوم وفي ظل أزمة مالية صعبة تزداد صعوبة ساعة بعد ساعة وفي ظل رفض المؤسسات الدولية ـ خاصة المالية ـ التعامل مع حكومة “التصحيح ” .
واليوم لم يعد بالإمكان زيارة أحياء شعبية جديدة وإطلاق وعود جديدة لسبب بسيط جدا وهو أن الوعود السابقة لم تتحقق و ” الجنة ” التي وعد بها ” التصحيح ” بدأت تتحول إلي “جحيم ” أقسي من كل ” جحيم ” سابق .
والأخطاء التي جعلت المواطن العادي يستفيق من ” سكرة التصحيح ” لم تكن كلها خارجة عن ” التصحيح ” نفسه، وهنا يمكن ذكر بعض الأمثلة علي ذلك:
ـ لم يتم اختيار الكفاءات حتى من بين ” أنصار التصحيح ” أنفسهم فقد كانت التعيينات كلها ـ وهي كثيرة ـ تعتمد علي ” المفرقعات ” الصوتية المؤيدة التي تُحدث صوتا كثيرا الغرض منه تعويض النقص في الكفاءة والخبرة التي يفتقر إليها ـ عادة ـ من يطلق تلك الأصوات.
ولقد أصبح التنبؤ بمن سيتم تعيينه يوم الخميس مسألة بسيطة جدا لا تحتاج إلا لمتابعة ” تلفزيون التصحيح ” أو حضور بعض مبادرات التأييد والمساندة أو قراءة لائحة الأسماء الموقعة علي بياناتها .
ـ رغم الوعد بتوزيع ” المتاح ” من العدالة ورغم الوعد بالاهتمام بتشغيل العاطلين عن العمل ورغم الوعد بسد الباب أمام رموز الفساد في عهد ” معاوية ” فقد تمت التضحية بكل تلك الشعارات البراقة و بعشرات الآلاف من العاطلين عن العمل من أجل إرضاء أقل وزراء “معاوية ” كفاءة وآخر المتشبثين به مقابل تصفيقه برجليه بعد أن تعبت يداه من التصفيق المتواصل لعقدين من الزمن.
والحقيقة الأكيدة هي أن التصفيق بالأرجل ليس هو الأسلوب الأمثل لمكافحة البطالة في هذا البلد .
ـ لقد ظهر أن الحرب علي الفساد ـ التي تمس وترا حساسا لدي المواطن العادي ـ لم تكن إلا حربا دعائية ولا يفرق بينها وبين الحروب الماضية إلا نوعية الأسلحة المستخدمة ، وهي الأسلحة التي تحولت من أسلحة بيضاء في العهود السابقة إلي أسلحة ذكية جدا وفتاكة جدا إذا وجهت ضد الخصم أما إذا وجهت ضد “أنصار التصحيح ” فتتحول إلي أسلحة بيضاء وناعمة جدا .
وعموما فالمفسد الوفي لولي نعمته خير من المفسد الذي يجحد تلك النعمة بحثا عن ولي نعمة جديد.
هذه الأخطاء وغيرها من الأخطاء هي التي جعلت شعبية المجلس العسكري تتقلص كثيرا في الفترة الأخيرة ودون أن تتحسن صورته الخارجية، وهذا بالضبط ما جعلنا نقول بأن الوقت ليس لصالح المجلس العسكري.
2 ـ أنتم من سيتحمل المسؤولية الكاملة عن كل ما سيحدث ، لأنكم أنتم من يقود البلاد الآن ، ولقد جرت العادة في هذا البلد أن تنسب كل حسنة للسلطان وحده ما دام في السلطة وأن تنسب ـ في المقابل ـ كل سيئة له عندما يترك السلطة ، فلم يكن ” معاوية ” هو الذي ارتكب كل الأخطاء التي حدثت في عهده ، وأغلب من شاركه في تلك الأخطاء هو من يطبل الآن ” للتصحيح ” ، ولم يرتكب الرئيس “المؤتمن ” لوحده كل الأخطاء التي حدثت في عهده ومع ذلك فقد تم تحميله كل الأخطاء التي حدثت في عهده ، أيضا نفس الشيء سيحدث معكم ، وإذا حدثت كارثة لهذا البلد ـ لا قدر الله ـ فلن يكون هناك من هو علي استعداد لأن يقسمها بينكم وبين “الجبهة ” حتى ولو كانت شريكة لكم في صنع تلك الكارثة .
من يقود البلد يتحمل كل الأخطاء التي حدثت في عهده بما فيها تلك التي يرتكبها خصومه، سواء منهم أولئك الخصوم الذين يُظهرون العداء أو أولئك ـ وهم الأخطرـ الذين يتظاهرون بالمودة مقابل أغراض شخصية.
3 ـ من ينحني كثيرا يدير ظهره كثيرا ، والتاريخ القريب لهذا البلد يؤكد ذلك ، فأقسى الناس علي ” معاوية ” بعد رحيله هم أولئك الذين كانوا أشد انحناءً له في زمن حكمه ، وأقسى الناس اليوم علي الرئيس ” المؤتمن ” هم أولئك الذين لقبوه بالمؤتمن ،
وسيكون أقسي الناس علي ” التصحيح ” هم أولئك الذين كانوا هم أول من ” أبدع ” كلمة التصحيح رغم أنه لولا الرئيس ” المؤتمن ” لما عرفنا عنهم شيئا مذكورا.
إنها نفس الفئة من الناس، تتقرب إلي كل حاكم جديد لتحقق المزيد من الأمجاد الشخصية ثم تتحول إلي أكثر الناس عداوة له عندما يبدأ ملكه في الزوال.
وهذه الفئة هي التي ستقول لكم الآن بأن المواطن العادي يعيش في نعيم يحسد عليه ، وأن الخارج سيغير مواقفه في الدقائق القادمة وحتى ولو لم يغير مواقفه فسيقولون بأن البلد ليس في حاجة إلي أي علاقات ولا مساعدات خارجية وأنه يختلف تماما عن ” ليبيا ” وعن ” العراق ” ولا يؤثر عليه الحصار.
4 ـ كلما تحسنت الأوضاع المعيشية للمواطن العادي في الإعلام الرسمي أو علي ألسنة المقربين منكم فذلك يعني أنها قد ساءت كثيرا في الواقع الميداني ، التاريخ القريب يقول ذلك ، والتاريخ القريب يقول أيضا بأن من يهدد بمحاكمة الرئيس إذا لم يترشح سيكون هو أول من يطالب بمحاكمته إذا رحل ، والتاريخ يقول بأن من يصغي لتلك ” المخلوقات ” الغريبة لا بد أن يخسر كثيرا بقدر ما استمع .
والتاريخ أيضا يقول بأن أرحم الناس بالرؤساء السابقين هم أولئك الذين كانوا ينتقدونهم أثناء مزاولة لحكمهم ، وأعتقد بأنه لو سُمح لمعاوية أو للرئيس المؤتمن بالعودة إلي السلطة لدقيقة واحدة لكان أول شيء سيفعلاه هو رمي من كان يصفق لهم في عمق البحر .
5ـ لست متفائلا من الجفاء الذي تعامل به الإعلام الرسمي من الدعوة إلي الحوار ولست متفائلا من تأخر إعلان المجلس العسكري عن استعداده للمشاركة في الحوار رغم أن الأطراف الأخرى قد بادرت بالإعلان عن ترحيبها بهذا الحوار وعن استعدادها الكامل للمشاركة فيه .
6ـ التنازل يجب أن يأتي أولا من طرف ” المجلس العسكري ” لأن بإمكانه أن يتنازل عن أشياء كبادرة حسن نية ويحتفظ بأشياء أخري للتفاوض ، فبإمكانه أن يفتح الإعلام الرسمي أمام الطرف الآخر ، وبإمكانه أن يطلق سراح بعض السجناء ، أما “الجبهة ” فلا تملك إلا سلة مطالب التي لا يمكن أن تتنازل عن بعضها إلا مع بداية التفاوض .
7ـ ما هو متاح الآن للمجلس العسكري لن يكون متاحا له غدا وما كان متاحا لهذا المجلس في الماضي القريب لم يعد متاحا له اليوم.
ويكفي هنا أن أذكر أن المبادرة المنصفة التي قدمها الشيخ محمد غدة من خلال رسالته المفتوحة لكم والتي كان يمكن أن يقبل الطرف الآخر التفاوض عليها لو عرضت عليه في ذلك الوقت ولو أن المجلس العسكري أظهر أي استعداد لقبولها.
هذه المبادرة نفسها هي التي قدمها المجلس العسكري في اجتماع مجموعة الاتصال الدولية وقد تم رفضها من طرف المجموعة بعد أن رفضتها ” الجبهة ” و”التكتل ” قبل ذلك.
لذلك فعليكم أن تتذكروا ـ دوما ـ بأن ما يتيحه لكم التفاوض اليوم من مكاسب لن يتيحه لكم غدا ، كما أنه عليكم أن تحرصوا وبشدة علي نجاح المفاوضات القادمة لأن نجاحها سيكون نجاحا لموريتانيا أولا وللمجلس العسكري ثانيا ، أما فشلها ـ لا قدر الله ـ فسيكون فشلا لموريتانيا أولا وللمجلس العسكري ثانيا .
بالمختصر المفيد، نجاح المفاوضات القادمة ستنعكس آثاره الإيجابية علي المجلس العسكري قبل غيره من أطراف الصراع، وفشلها ستنعكس آثاره السلبية علي المجلس العسكري قبل غيره .
وإلي الرسالة المفتوحة التاسعة ، وفقكم الله لما فيه خير البلد .
محمد الأمين بن الفاظل
رئيس مركز ” الخطوة الأولي ” للتنمية الذاتية
هاتف 6821727
elvadel@forislam.com
www.autodev.org

مواضيع مشابهة

أضف تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

Back to top button