أحزاب مجهريه
محمد ولد عبد القادر قانوني وكاتب صحفي
6660344 melkader74@yahoo.fr
من الأخطاء التي شاعت في السنوات الاخيرة فرضية ان التعددية الحزبية تصبح افضل وافيد كلما زاد عدد الاحزاب وتنوعت اتجاهاتها، وبني هذا الخطأ على فرضية اخرى خاطئة ايضاً، وهي ان الديمقراطية لابد ان تقوم على وجود عدد كبير من الاحزاب ، وانه كلما زاد عدد الاحزاب اصبح النظام اكثر ديمقراطية ، اين يكمن الخطأ في هذه المفاهيم؟ وهل تنطوي على مخاطر تهدد الدولة والمجتمع؟ واذا كان الجواب نعم، كيف يحصل ذلك؟ وهل وجود احزاب كثيرة احد اهم مظاهر الديمقراطية حقاً؟
قبل ان نجيب على الاسئلة والتساؤلات لابد من اسقاط ماهو ليس جوهرياً في التعددية الحزبية، واول ما يجب اسقاطه هو الافتراض بأن التعددية تعني كثرة الاحزاب وتصارعها، كي يستطيع اي مواطن التعبير عن رأيه وضمان حرية ارادته، اذ مافائدة كثرة الاحزاب اذا كانت بلا تأثير او دور فعال، فقد يوجد مائة حزب او اكثر، لكن كل واحد منها، لا يضم الا بضعة انفار، واحياناً افراد عائلة او عصبة اصدقاء شخصيين. ان البلدان التي تقدم نماذج شهيرة للديمقراطية تتميز بتركز الاحزاب الفعالة في حزبين غالباً، وهذا مايظهر جلياً في امريكا «الحزب الجمهوري والحزب الديمقراطي»، وبريطانيا «حزب العمال وحزب المحافظين»، وفي فرنسا «الديغوليون والاشتراكيون».. الخ.
ان هذا التركز في الحياة الحزبية هو نتاج تطور موضوعي وطبيعي في مجتمعات لا تستطيع العيش والاستمرار الا بوجود آليات تحكم وتوجيه للدولة والمجتمع، ومنها آلية تسيير الحياة الحزبية ، لأن النظام الانتاجي في ظل الرأسمالية يتطلب وجود آليات ضبط وسيطرة وتوجيه، ولهذا فإن تشكيل الاحزاب يخضع لضوابط ومؤثرات موضوعية فعالة، تؤدي الى غربلة الحياة الحزبية، ووضع خطوط فاصلة بين احزاب رئيسية تستمر لعقود وهي تمارس دوراً قيادياً ، لأنها تمثل مصالح كبيرة محددة ، تقف وراء بروزها وديمومتها، وبين احزاب هامشية تمثل مصالح هامشية ، او انها تمثل مصالح كبرى لكنها مقموعة بآليات قانونية واقتصادية تمنعها من التحول الىاحزاب رئيسية.
إذن كثرة الاحزاب هو ضرب من ضروب الفوضى، وعدم التبلور الاجتماعي او السياسي، اذا كانت في بلد يتعرض لتحولات داخلية موضوعية كبرى، او انها نتاج خطة شرذمة وتفتيت للدولة او المجتمع ، اللذان وصلا مرحلة الاستقرار والابداع، فشكل ذلك استفزازاً لقوى خارجية، وجعلها تضع خططاً تفصيلية هدفها إعادة الدولة والمجتمع الى حالات البداية ، المتسمة بالاضطراب واصطراع القوى السابقة للدولة الحديثة،. اضافة للنزوات الفردية وامراضها السلوكية كحب الزعامة والظهور، ووضع اسس نقل هذه الأمراض الى ساحة العمل السياسي ، وتقديم الأموال والإغراءات الأخرى لأجل تشكيل أحزاب تحول التناقض الرئيسي، من تناقض بين الشعب الى صراع بين المكونات الطبيعية للشعب ، كالعرق والقبيلة والاثنية، وتشجيع كافة الامراض الفردية كحب الظهور والاختلالات السلوكية.
بالإضافة لتوريط الشعب في صراعات بين مكوناته الطبيعية تشجيع قيام أحزاب لا قاعدة شعبية لها، إعطاء انطباع مظلل بأن ثمة ديمقراطية في موريتانيا ، بدليل وجود مئات الاحزاب لأجل إضعاف الأحزاب الوطنية العريقة، ، لان وجود احزاب كبيرة ومتماسكة تشكل عائقاً مستقبلياً امام خطط السيطرة العسكرية على القصر الرمادي والبقاء فيه، ولذلك فإن دفع الاموال ، او تغذية نزوات متعددة ، تعد بعض اسس خطة شل ، او على الاقل ، ارباك موريتانيا شعبياً ، واضعاف القوى الوطنية التي تشكل الخطر الحقيقي على وجود الانتهازيين، والعثور على أشخاص وكتل مستعدة لتقديم الولاء والطاعة والخنوع ، و تحييد القوى الوطنية الفاعلة الرافضة للتدمير المنظم للدولة والمجتمع، بلغو وصراخ ، هما اقرب الى الشيزوفرينيا من اي شيء آخر، ليتمحورا حول انشاء احزاب وصحف وممارسة كافة اشكال التقيؤ المنفر.
واستناداً الى هذه الخطة خصصت مبالغ ضخمة لشراء الضمائر وتضخيم الامراض النفسية لمحبي الظهور، وفتح مقرات احزاب ومكاتب وصحف ، اضافة لتقديم رواتب مغرية للعاملين فيها، بشرط التشويش على القوى الحزبية الوطنية الرئيسية، وارباكها وشراء بعض اعضائها ، وحشد الغوغاء والمهووسين بالتصفيق ولذلك رأينا، وفجأة، نشوء احزاب مجهرية!ورأينا من كان يمشي حافياً يرتدي بدلات فرنسية ، ويتعطر ويتبختر بسيارات فارهة ، وهو يحضر اجتماعاً (حزبياً) ،
وحينما قلنا ان هذه العملية «تشوش» وقد «تربك» القوى الوطنية، كنا نعرف مانقول: فهذه الاحزاب ليست سوى (الزبد) المتجمع فوق سطح مياه فائرة، وهو سيزول حتماً ، بل انه يعجز الآن عن التأثير في المجرى العام لعملية تحريرالعقل الموريتاني ، وفشل، وسيفشل، في كسب قوى محترمة ومهمة في المجتمع. فالشعب ينظرالى الاحزاب الجديدة، بغالبيتها الساحقة ، نظرة استخفاف او احتقار وازدراء ، لأنه يعرف شخوصها جيداً. لذلك أصبحت موضع سخرية الشعب، وبقيت الأحزاب الوطنية محافظة على نقاوتها وشعبيتها التي ازدادت بعد كل المؤامرات الساعية لشلها.
وهذه الحقيقة ، بالضبط ، هي التي تجعلنا نقول ان الديمقراطية الحقيقية ، في الواقع، هي ضد سياسة مزارع أرانب الأحزاب، لأن نتاج هذه المزارع هو الفوضى والإرباك والفساد والإفساد المنظم ، ولذلك فإن الحياة الحزبية في الغرب وبالذات في أمريكا ، لم تسمح ببقاء او بروز سياسة مزارع أرانب الأحزاب وبقيت أحزاب قليلة جداً تنمو على قاعدة ولادة الحيتان التي تتميز بندرة الولادة مقارنة بتوالد الأرانب السريع بتنفيذ خطة بناء مزارع أرانب حزبية، قصد بها ان تكون حاضنة وداعمة للمخطط العام وهو السيطرة على القصر الرمادي ، واستخدام المال أساسا لإفساد الضمائر والوقوف إمام القوى التقدمية بترشيحات مدروسة عرقيا وقبليا
و كما يقال ان تناول جرعات كبيرة من الدواء يقتل المريض، فإن السماح بانتشار الأحزاب ، كالفطر ومزارع الأرانب ، يؤدي الى تغييب الإرادة الشعبية الحقيقية ويربك المواطن الذي لم يستطع حتى الآن حفظ (5%) من أسماء الأحزاب الجديدة، واذا حفظ هذه النسبة الضئيلة فهو لا يعرف اسماء مؤسسيها ، ولا أهدافها وإيديولوجيتها، والسبب ببساطة هو انها ، كأرانب المزرعة، تولد وتنمو بسرعة شديدة ، ثم تذهب للذبح، فلا يسمح ذلك بتذكر ميزاتها اللونية، كما انها لا تترك اي ذكرى!
الحزب ليس محض رغبة فرد، او جماعة، انه ضرورة اجتماعية ووطنية وقومية ، تستجيب لها فئة طليعية ، تتولى تمثيل هذه الضرورات ، فتجد دعما شعبيا وتتوسع ، وتبقى وتعود ، اذا استؤصلت بالعنف ، ببساطة لان مسوغ وجودها ما زال قائما .
ما هو الخيار الصحيح لهذا النمط من الأحزاب ؟ ان اول ما عليها ان تفهمه وتدركه بلا اي وهم ، هو انها لا تشكل ظاهرة شعبية ، بل حالة خاصة ، وان محاولتها التجاوز على القوى الرئيسية ، بتشكيلها لكتلة من الأحزاب المنخنقة و الموقوذة والمتردية والنطيحة….. ، تريد بها مزاحمة العريقة والشرعية منها، سيورطها في إشكالات هي في غنى عنها
اذن التعددية الحزبية لا تعني تكاثر أرنبي لها ، بل قيام كل منها على مسوغ مقبول ومعقول، ويخدم المصلحة الوطنية، وبما ان هذه المصلحة محددة بدقة ، فمن غير المعقول ان تنشأ مئات الأحزاب ، التي لا تحدد بوضوح ما الذي يميزها عن غيرها. والتميز في التمثيل هوا ساس ومسوغ نشوء اي حزب، واذا غاب التمييز هذا صار نشوء حزب محض مصلحة ذاتية قد تخدم صاحبها فقط….