هل يواجه التكتل مصير الحزب الجمهوري ؟!/محمد الامين ولد سيدي مولود/OULDSIDIMAOULOUD@MAKTOOB.COM
في هذه الشذرات سأحاول استبيان بعض ملامح الساحة السياسية القادمة ـ أو الوضعية السياسية العامة ـ في ظل تعرض أكبر حزب موريتاني لهزات عنيفة منها ما هو ذاتي وجلها مصطنع بأيادي المخزن الظاهرة والخفية…
1 ـ الفساد السياسي أولى بالحرب
أنا لست متفائلا البتة لهذه الحرب التي يخوضها الجنرال ضد الفساد (أو لاكتساب الشرعية حسب مناوئي الرجل) لأنني ـ ببساطة ـ لا يمكن أن أطير تحمسا لاعتقال المتورطين في صفقة الأرز دون المتورطين في صفقات أخرى منها ما هو أخطر مثل صفقة “وود سايد” وملف “أس م سي بي” وصفقات “سكانير” وصفقات الانتخابات الماضية إن لم أذهب أبعد إلى صفقة “نهر السنغال” وصفقات المخدرات وصفقة “التأمين” …الخ
ولأنني لا يمكن أن أثق أن الفساد يحارب بتعيين رموزه في الأماكن الحساسة من الحكم (اسألوا إن شئتم من هم رموز الفساد في الحوض الشرقي ـ مسقط رأسي ـ وأين هم اليوم من النظام؟ وما المناصب الممنوحة لهم ؟ وأعيدوا الكرة مع رموزكم في ولاياتكم)… لكن لتكن هذه الحرب العالمية الثالثة على الفساد، فما هو الفساد وهل هو اقتصادي فقط يتعلق بسوء التسيير ؟ أم هنالك فساد سياسي تجب محاربته ؟
تاريخي ـ ومن على شاكلتي من الشباب الجادين ـ مع الحرب على الفساد قديم …كنا نهاجمه ورموزه قبل أن يكون موضة حتى على ألسنة رموز الفساد أنفسهم!! لذلك لا نريده شعار مرحلة لا يلبث أن يختفي كما اختفى “الكتاب” و”المرأة” و”محو الأمية” كما لا نريده أن يقتصر على جانب التسيير والاختلاس بل نريده أن يطال الفساد السياسي أيضا.
إن وجود طبقات محنطة بائسة من ظلال الأنظمة وعملائها متخصصة في تفكيك الأحزاب السياسية أمر مخجل ودنيء. إن امتهان “انسحاب تحت الطلب” أو “تفكيك تحت الطلب” لدى “متمخزني” السياسة أو “سياسيي” المخزن أمر يدل على سذاجة الأنظمة نفسها قبل الدلالة على هشاشة الأحزاب، لأن الدولة هي المسئولة عن الوعي السياسي وتكريس العمل الحزبي كعرف طبيعي وواجب ديمقراطي (أو العمل السياسي المستقل لكن باختيار لا بأمر) لذلك من المستهجن أن تكون دائما وراء كل تمرد حزبي أو انشقاق ، بل تكون هي من فبركه أحيانا كثيرة. إنه أسلوب بوليسي منحط لا تلجأ إليه إلا الأنظمة البدائية جدا والضعيفة جدا!!
إن نظاما يبنى التصحيح يجب أن يبدأ بالتصحيح السياسي والأخلاقي وأوله محاربة النفاق السياسي وفساد الطبقة السياسية أخلاقيا لأن ذلك سر الفساد المالي ، فأصحاب المبادئ لا ينتكسون إلا نادرا ، كما أن عديمي المبادئ لا يستقيمون إطلاقا مهما خافوا أو طمعوا لان الاستقامة تتناقض وجوهر كيانهم. وبناء عليه فإن معارضة صالحة تحمل فكرا ومشروعا أحسن للنظام نفسه من موالاة متملقة لا تحسن إلا الطمع والتملق. إن حليفا لا ينبس بمجرد نصيحة أو توجيه أو مبادرة بل هو مشغول بالغنائم وبالتفنن في المديح والثناء لا يمكن الاعتماد عليه في لحظات الجد وهذا حال جل المتحلقين حول المجلس الأعلى للدولة ….
من واجب المجلس الأعلى للدولة أن يعاقب أولئك المتخصصين في تشويه سمعة الأحزاب السياسية وتدميرها بسرعة الالتحاق بها وسرعة الانسحاب منها وليبدأ بمنسحبي الحزب الجمهوري سابقا ثم بالذين يلونهم ثم الذين يلونهم حتى يصل إلى منسحبي التكتل اليوم!!
(يكفي القوم سوءا أنهم نواب انتخبهم الشعب وهاهم يعترف عليهم رئيس مجلس عسكري أنهم عرضوا عليه خدماتهم المألوفة ـ تفكيك حزبهم ـ وأنه رفض!!)
ومن واجبه أن يسن قوانين تمنح الأحزاب ملكية المقاعد البرلمانية والبلدية التي تنجح باسمها حتى لا تبقى ملكا لأناس لا يقيمون للانتماء الحزبي والمبدئي أي وزن. أنا أعلم أن هذا لن يحدث لأن القوم مسئولون عن ما يجري فكيف يعالجونه أو يعارضونه.
2 ـ التكتل والحزب الجمهوري تشابه المحنة واختلاف المضمون
يبدو أننا ـ يا لسخرية الأقدار ـ تحتم علنيا الشقاوة السياسية مع كل مرحلة انتقالية تنتج عن “انقلاب” أو حركة تصحيحية أن نعيش تفكك أكبر حزب سياسي في البلد ، وأن تكون بيدي الأمن والإدارة لا بيد السياسيين . إنه من الطبيعي جدا أن تفكك الأحزاب الكبرى مخافة أن تشب عن الطوق ولو في الولاء ـ كالحزب الجمهوري ـ لأننا في دولة لا يرتاح أمنها إلا للأحزاب المجهرية (ترخيص 12 حزب الأسبوع الماضي ليصل عدد الأحزاب إلى حوالي السبعين ـ حوالي 10 منها فقط ممثلة في البرلمان وأقل من 20 ممثلة في المجالس البلدية ـ في بلد لا يبلغ ناخبوه المليون!! ).
يختلف التكتل عن الحزب الجمهوري في كون الأخير فقد مرجعيته المتمثلة في رئيسه معاوية ولد سيد احمد الطايع لذلك كان مهيئا للتلاشي بسرعة رغم أنه لم يكن خطرا على النظام الجديد بل كان نعم الظهير (لا يعرف جل الجمهوريين بجميع نسخهم ـ مستقلون، عادليون، الاتحاد من أجل الجمهورية و حزب الشعب الجديد ـ الوفاء ولا يقيمون له وزنا ولو لولي نعمتهم عشرين حولا كما لا يعرفون أي معنى للرفض ولم يذوقوا لذة قول لا) أما التكتل فيقوم على نواة صلبة ومبدئية بقيادة رئيسه ربما تتقلص إلى أقل من خمسة بالمائة من الناخبين (انتخابات 2003 ) لكنها ظلت صامدة في وجه الأعاصير العاتية نواة حملت لواء الرفض قرابة عقدين من الزمن، يستحق روادها التكريم من أي نظام يستخدم شعارات من قبيل التغيير أو التصحيح أو التجديد ولو للاستهلاك الإعلامي.
من المؤسف أن يكون من بين المنشقبين من التكتل رموز نضالية كبيرة بوزن كان حاميدو بابا وأن يتم استدراج هذه الرموز في رحلة العودة مع فلول الحزب الجمهوري الذي تطايرت شظاياه 2005 في رحلة التيه أو البحث عن الحزب الجمهوري كما سماها احمدو ولد وديعة آنذاك .
3 ـ ضريبة الأخطاء المتراكمة
لقد ارتكب زعيم المعارضة الديمقراطية أخطاء فترة مشواره السياسي المشرف تفاوتت من المتوسط إلى الجسيم وهاهو اليوم يدفع ضريبة جزء من تلك الأخطاء:
ـ الابتعاد عن الحلفاء الاستراتيجيين : إن ابتعاد الرجل ـ أو على الأصح اختطافه ـ عن وسطه الطبيعي أي حلفاء الأمس كان خطأ فادحا حتى ولو كان من القوم من هو المسئول عن تلك الفجوة كالذين دعموا غريم الرجل في الشوط الثاني المنصرم ، مع أنني على يقين أن ذلك الجفاء كان عصارة نجاح أمني وعمل استخباراتي أكثر منه خلاف بين مكونات المعارضة التقليدية ، ولم يتم ذلك إلا عندما استطاع الجمهوريون التسلق إلى أعلى هرم المعارضة ليوقعوا بين مكوناتها. إن خلاف أصحاب المبادئ يبقى دائما خلاف تفاصيل وأولويات برامج لا أكثر ما لم يثقوا في غيرهم، أما خلافهم مع غيرهم فهو صراع شر وخير لا يمكن أن يخمد وإن خفت بعض الوقت .
ـ تذبذب المواقف : يتداخل كثيرا مع سابقه إذ أن تذبذب مواقف زعيم المعارضة من انقلاب 6 أغسطس (تارة حركة تصحيحية وتارة انقلاب ) له علاقة مباشرة بتأثير الوافدين الجدد على قرار الرجل وقناعاته ولا يعني ذلك أن الرجل لا يتحمل جزء بل إن ثقته المفرطة فيمن كانوا قبل انضمامهم إليه من أشد رموز الفساد عداوة للتغيير ولشخص أحمد نفسه خطأ لا يقل خطورة عن مبالغته هو نفسه في كراهية الرئيس المنتخب الذي سلبه حلمه بل وحلم الكثيرين ، لكن تناسي الرجل أن الفاعل الحقيقي ليس سيدي بل العسكر هو من غرر به كما غرر به 2005 والحر لا يلدغ من جحر مرتين.
إن كان زعيم المعارضة طالب الضباط بانقلاب على نظام ديمقراطي مدني فتي رغم أخطائه الجمة فإنه مهد لانقلابهم على معارضة عرفوا حقيقتها المرة وعلى طبقة سياسية أثبت جلها للعسكر وللشعب عدم أهليتهم لما يقومون به من تمثيل سطحي في عوالم السياسة!! وإن كان الرجل طالب العسكر بعدم قطع العلاقة مع الصهاينة ـ كما قال رئيس المجلس الأعلى للدولةـ ولو إمعانا في محاولة إهلاك القوم فإنه أدار الظهر لجمهوره ولتاريخه في حسابات ابراغماتية لم تكن دقيقة التوقعات!!
ـ تقليص نفوذ الصقور لصالح الوافدين الجدد: قبل سنتين من الآن كنت وزميل لي وهو من صقور التكتل ومتصوفة أحمد في مهرجان ائتلاف قوى التغيير وقال لي زميلي وهو يشير إلى وزير سابق من وافدي التكتل “خل الطريق لرموز فسادنا وضحك” قلت له “سيأتي يوم لن تضحكوا فيه عند انسحاب هؤلاء عنكم بعد تفكيك حزبكم” وشاءت الأقدار أن يستقيل المسكين احتجاجا على نفوذ القوم في مؤتمر التكتل المنصرم. كانت نتيجة حتمية أن يضعف نفوذ أحمد في حزبه عندما اعتمد على وزراء ولد الطايع في التخطيط السياسي وفي تبني المواقف التي تخدمهم هم وأسيادهم في القصر، وعندما أصبح الذين قاسموا الرجل الحلو والمر طيلة عقدين من الزمن يشكلون أقلية “متطرفة وجامدة ولا تفقه السياسة” ولا كلمة لهم !!
خاتمة
يتضح مما يجري في الساحة الآن أننا بصدد تشكيل “الحزب الجمهوري الديمقراطي الاجتماعي” وما هو الحزب الجمهوري ـ أناشدكم الله ـ إن لم يكن حزب يضم كل وزراء الدولة ورجال أعمالها ويستغل نفوذها لحملاته ممتطيا القبائل (موريتانيا الأعماق) والإدارة والتخويف والتطميع، حزب يقوده شيخ هرم ذي سوابق سلطوية قيادة شكلية ويدبر أمره عسكري يرتدي زيا مدنيا يشغل منصب رئيس الدولة. حزب يستقطب جميع المنشقين عن الأحزاب الأخرى ـ بما فيها المؤيدة ـ بل ويمول الانشقاق والتفكك ليسيطر على الساحة شيئا فشيئا حتى تعود المعارضة إلى العتبة المسموح بها وهي نسبة 10 أو 15 في المائة كما صرح بذلك برلماني مؤيد لحركة التصحيح!!
(ملاحظة: علمتنا التجارب أن الحزب الجمهوري يمكن أن يكون منسقية مستقلين أو مجموعة أحزاب أو زاوية أو دائرة أو مناسبة قبلية أو عمال شركة لكنه هو هو …)
إننا بصدد نكسة جديدة ستفضي إلى فوضى عارمة أو سلسلة انقلابات ما لم يتحمل الجميع المسؤولية بتغليب روح العقل واللجوء إلى الحوار والتناصف . وإن غلبة أصوات المطبلين اليوم والمتملقين على أصوات العقلاء والجادين لدليل على نوعية المرحلة التي نعيش وإشارة إلى نوعية الغد القادم.