مقالات

محمد المصطفى ولد بدر الدين و محمد ولد مولود رجلان يسكنان تناقضات “الديالكتيك”

بوننا ولد سيدي ولد أعثيمين

لقد طلب مني بعض القراء إعادة نشر هذا المقال الذي سبق نشره في جريدة أخبار نواكشوط بتاريخ : 30 .06 .2008 ولم أتردد في الاستجابة لطلبهم مع إضافة طفيفة تستهدف توييمه.

إن مأساة هذين الرجلين معلومة لدى الجميع، وتعبر بصدق عن مأساة الفكر المركسي عموما الذي تأسس كفكر ممتاز للتناقض والتفكيك، لذ لك فكك الإمبراطورية السوفيتية وحلل أوروبا الشرقية إلى قوميات وطنية …

والسبب في ذلك أن الفكرة التي طرحها هيكل حول النقيض، ونقيض النقيض، والتركيب، منذ أن طورها ماركس في إيديولوجية ترتكز على التناقض كأساس لبناء التاريخ، لم تعد صالحة لتفسير أي شيء لأن التوافق هو وحده القادر على صناعة الوضوح والعقلانية كما في أفكار “ديكارت” التي كانت سببا في تفوق المعسكر الغربي، وعكسها في فشل المعسكر الشرقي الذي تبنى التناقض وكان هو السبب المباشر في انهياره اجتماعيا، و سياسيا، واقتصاديا.

ولقد امتطى الرجلان التناقض كمادة إلصاق دهرية مع الأنظمة التي تعاقبت على هذا البلد مؤمنان بتناقضهما الرئيسي مع المجتمع الموريتاني، وبتناقضهما الثانوي مع النظام الحاكم أيا كان هذا النظام، لذلك خلقوا تناقضات بين مكونات الشعب الموريتاني الذي عاش في تناغم ووئام تامين منذ وجوده على هذه الأرض وكان نتيجة ذلك، في منتصف الستينات من القرن الماضي،الأحداث المؤلمة المعروفة بأحداث 1966؛ وكانوا من بين من أقنعوا المغفور له المختار ولد داداه بالدخول في حرب الصحراء لتوسيع دائرة الصراع بين مجتمع “البيظان” في نفس الوقت الذي يتظاهرون فيه بمساندة الصحراويين…وقد ساندوا الأنظمة العسكرية جميعا ـــ كما يعرف الجميع ـــ لكنهم لم يجدوا ضالتهم المنشودة إلا في السيد محمد خونه ولد هيداله الذي تحملوا أمامه بمسؤولياتهم في التناقض التي أدوها على أكمل وجه فسجنوا من خلاله من أرادوا أن يسجنوا حتى غصت السجون بكل من عكر، أو حاول أن يعكر، أمزجتهم التناقصية.

وبعد اعتلاء معاويه ولد سيد احمد الطايع سدة الحكم بانقلاب عسكري وجد هو ورفاقه أنهم لا يحكمون بلدا وإنما تناقضات أقامها سكان “الديالكتيك”، فقام بإطلاق سراح السجناء؛ إلا أنه ما لبث أن أقنعوه بتناقضات أخرى كلفهم بتسييرها، فحلقوا بجناحين في سبيل ذلك جناح في المعارضة من أجل تفكيكها، وآخر في الموالاة مهمته حل المشاكل العويصة التي يخلقونها؛ واستتب لهم الأمر على هذا النحو” أدراكونيDraconien ” إلى أن تمت الإطاحة بنظام ولد الطايع فجن جنونهم من أجل خلق تناقض بين أعضاء المجلس العسكري للعدالة والديمقراطية بواسطة الجناح الذي ظل في الموالاة ولم يفلحوا في ذلك… وهاهم الآن يقيمون الدنيا ولم يقعدوها من أجل خلق تناقض بين المؤسسة العسكرية والسيد الرئيس سيدي والد السيخ عبد الله مصورين له الأمر على أن قاعدة اللعبة الديمقراطية تقضي أن لا يكون للمؤسسة العسكرية أي دور في الشأن العام رغم أن بعض الخاصة يعرفون أن محمد ولد مولود نصح السيد الرئيس في بداية ترشحه قائلا ” أنصحك بأن لا تترشح إلا إذا تأكدت من دعم المجلس العسكري للعدالة والديمقراطية لترشحك” وأنه في اتصال آخر قال له: “سنبقى في المعارضة من أجل تهدئة الأوضاع وفرض السيد احمد ولد داداه على قبول نتائج الانتخابات”، وقد اعترف الرجلان بنتائج الانتخابات التي دعمت فيها المؤسسة العسكرية ترشح السيد الرئيس.

إن مأساة هذين الرجلين، و من على شاكلتهما، أنهما لا يمكن أن يعيشا دون تناقضات مع طرف، في حين نحتاج جميعا إلى من يعمل على التوافق وطرح البدائل لا من يعمل على خلق التناقضات والعمل على ضرب طرف بطرف آخر. وليس غريبا أبدا أن يعتبر الرجلان ملتمس سحب الثقة من الحكومة الفاسدة، التي يريدون استغلال ظروف فسادها، انقلابا على الديمقراطية وتدخلا سافرا من المؤسسة العسكرية لا مبرر له، لأنهما لم يضعا للرأي العام الوطني الذي ضاق ذرعا بالفساد والمفسدين أي اعتبار.

والواقع أن المعركة الدستورية التي يخوضها البرلمان الوطني ستشكل تجربة ديمقراطية رائدة، قل نظيرها في العالم الثالث، لا تقل أهمية عن الطريقة التي تمت بها الانتخابات الرئاسية الذي شهد العالم بنزاهتها وشفافيتها، و التي أرادت المؤسسة العسكرية لها أن تكون كذلك.

و إن على الرجلين أن يتغيرا ويفهما قواعد اللعبة الديمقراطية الجديدة التي لا ينفع فيها ذكاء ، مؤسس على التناقض والصراع ، لم يعد يخفى على أحد أهدافه ومراميه السياسوية التي حكما بها، ومن على شاكلتهما، هذا البلد ما يزيد على أربعين سنة.

و إن الأسابيع المقبلة ستكشف عمن ستدور عليه دائرة عشاق الصراعات والتناقضات ويدخلانه في دائرتهما.

إلا أنه على جميع القوى الحية أن تقف بالمرصاد لمهاراتهما في التلاعب بثوابت الأمة ووئام الشعب، حتى ينعم بديمقراطيته وممارسة حقوقه الدستورية دون مزايداتهما المتهاترة.

***

وبعد مضي إحدى عشر شهرا على هذا النداء الذي اختتمت به المقال أرى أن الشعب الموريتاني أدرك مدى قدرة هذين الرجلين على إلحاق الأذى به وتحديدا بعدما أصبح يعرف ” بفضيحة الميثاق ” التي كشف عنها أحمد ولدداداه … وأكدت صحة تناقضهما الرئيسي مع الضمير الجمعي للموريتانيين ومصالحهم الحيوية … كما أكدت أنهما في رحلة بحثهما عن الكرسي الضائع ، لذي يمثل المصالح الشخصية الضائعة ، مستعدون للتحالف مع الشيطان في سبيل استرجاعه .

مواضيع مشابهة

أضف تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

Back to top button