رحم الله بن عدود / محمد جميل ولد منصور /tawassoulparti@gmail.com
انتقل من رحمة الله إلى رحمه الله العلامة حقا الكبير قدرا محمد سالم ولد عبد الودود يوم الأربعاء الماضي مخلفا فراغا كبيرا بعده سيحس به طلاب علوم الشريعة والساعون وراء علوم اللغة والأدب والبلاغة وسائر علوم اللسان العربي ويعاني منه المهتمون بالأنساب والتاريخ وأيام العرب والعجم والبربر ..فراغا لن يقتصر على أهله وأرضه وسكان سمية البيت العتيق ..فراغا لن تكون حدوده دائرة العلماء والفقهاء والأدباء والمثقفين ..فراغا سيطول طلابا وجدوا في الشيخ مطلبهم وعنده ملجأهم وزوارا سمعوا تاريخهم عنده (حضرت ذلك مع عراقيين وسعوديين ولاشك أنه كان مع آخرين’’
سيطول محبي الفصاحة ..دون تكلف والبلاغة بأنساب وأدب العلماء ونكتهم
أتذكره مرة – وكنت من المعجبين بالمحاضرات العلمية للشيخ حريصا على حضورها – في محاضرة بدار الشباب الجديدة عن أهمية اللغة والأدب تلك الافتتاحية المنسابة التي روى فيها جوار عبد الله بن عباس ونافع ابن الأزرق ،واستماع الأول لشعر ابن أبي ربيعة وإنكار الثاني عليه في ذلك،واحتجاج ابن عباس في تغيير آية من كتاب الله قائلا ’’ ويلك ألم تسمع قول المخزومي بالأمس وأنشده الشاهد من شعر عمر بن أبي ربيعة’’…
إذا بدأ العلامة محمد سالم حديثا عرف المصطلحات والمفاهيم وأسند الأقوال وفصل فيها،وأحسن الخواتيم كان يمازحنا معاشر الشباب حين نزوره ويسأل عن الأهل والأقارب ويحرجنا بأخبار عنا لا نعرفها وتفاصيل عن الأهل لا نعلمها..
وأتذكر فذي السفارة العراقية أثناء حفل فيها وكان ذلك قبل الاحتلال الأمريكي البغيض ..تحلق حول الشيخ محمد سالم ولد عدود عراقيون يسأل الواحد عن مدينته ..فيجيب المعني الموصل ..أو البصرة أو بغداد ..الخ ..فيشرح لهم الشيخ لماذا سميت المدينة بهذا الإسم ومن أطلقه عليها،ومن سكنها،وماهي مراحل تاريخها فيسقط في أيديهم لحفظ الرجل وعلمه وموسوعيته…
حدثني الدكتور جمال ولد الحسن رحمه الله تعالى وكان من محبي العلامة محمد سالم أنه كان معه في صلاة الصبح في الحرم المكي،ورآه بعد الفراغ من الصلاة يبتسم
وكان الشيخ طلق الوجه كريم الخلق – فسأل جمال عن سر ابتسامته فشرح له ..فإذا الموضوع يتعلق بحوار بين مغربيين كانا يطوفان بالكعبة،أطلق أحدهما وصف ’’ازوين’’ على أحد الزعماء العرب لم يكن الشيخ يرى أنه يناسبه
ومن النكت التي نحكيها نحن المجموعة القليلة التي كانت تدرس في اليمن سنة 1997 أن مجموعة من طلاب جامعة الإيمان كانوا معي في البيت،وكنت أحكي لهم عن موريتانيا،ويساعدوني جهلهم بموريتانيا على الظهور بمظهر العارف بها،وقلت لهم فيما قلت إن فيها علماء متميزين وحين يذكر التميز بين العلماء يذكر العلامة محمد سالم ولد عدود وأوضحت لهم جمعه الفريد بين علوم الشريعة وعلوم اللغة فسألوني ببراءة – وقد سمعوني أرتب كلمات من العربية فظنوا بي خيرا – أهو أعلم منك فيها (يقصدون اللغة)
فضحكت وعزفت أن أروي القصة لإخواني في الجامعة،وقد ضحك الأستاذ محمدن ولد المختار الحسن من هذا السؤال كثيرا لأنه كان من بين بعض طلاب المدرسة العليا الذين عزموا يوما على أن يسجلوا خطأ لغويا على الشيخ العلامة محمد سالم ولد عدود وأثناء إحدى محاضراته أو أحد دروسه قال ’’ التهمة’’ بفتح الهاء’’ فسجلوها على الشيخ وحين بحثوا وجدوا أن الأصل هو ’’ التهمة’’بفتح الهاء وقد تسكن كما هو الشائع بين الناس.
بفقدان العلامة محمد سالم ولد عدود تزداد لائحة العلماء الأعيان الذي فقدتهم البلاد أخيرا منذ رحمة العلامة المميز محمد يحيى ولد الشيخ الحسين.
يستحق العلامة محمد سالم علينا كل الإكبار والاحترام
ومساهمة في شيئ من ذلك أقترح
1- تسمية مؤسسة تعليمية عليا باسمه
2- تخصيص جائزة في علوم الشريعة واللغة باسمه
3- إعداد كتاب جيد متكامل عنه
4- التعريف بعلمه وتراثه المكتوب والمروي
5- تنظيم لقاء يحضره طلابه ومحبوه يعرف به فيه ويطلق العنان للخطباء والشعراء فيه فالعلماء أولى بذلك وذكراهم أحق أن تحفظ فأمة لا تكرم علماءها يسودهلا جهالها،ومجتمع لايقدر كباره يتحكم فيه صغاره.
رحم الله العلامة محمد سالم ولد عدود سليل أسرة العلم والتربية والورع،كان استثناء بين علماءعصره،واستثناء في علماء بلده،واستثناء في زمانه.
رحل العلامة وعزاؤنا أنه بث علما وفقها في قلوب الأبناء والطلاب،وعزاؤنا أنه ترك العلامة محمد الحسن ولد الددو،الذي ورث من خاله وأخواله وأبيه وأمه وسائر أهل البيت الطيب العلم بمختلف فنونه ومعارفه.