مقالات

إنكم في واطيء السفح ولن تنالوا من الجبل الأشم /بقلم محمد سالم ولد محمدٌ اليعقوبي/ yacoubym@gmail.com

أثار نجاح الزيارة الأخوية التي أداها قائد الثورة بالجماهيرية العربية الليبية العظمى الأخ القائد معمر عبد السلام القذافي مؤخرا لموريتانيا،أحقاد ثلة من أشباه الكتاب الذين سعوا بأقلام مدنسة تفتقر للصدقية إلى النيل من الثائر المسلم المؤمن والمحسن الأخ معمر القذافي، وهي الزيارة التي طالما انتظرها الشعب الموريتاني بعد الزيارتين التاريخيتين التين قام بهما الأولى سنة 1972 في عهد الرئيس المرحوم المختار ولد داداه والثانية 1983 في عهد الرئيس محمد خونا ولد هيداله والتي استقبلها هذا الشعب مرددا مع الشاعر:
ألا أهلا وسهلا بالمفدى = أبي الضيم ذو الخلق الجميل
وحل السعد ساحتنا سرورا = وجرى النحس يجري في عويل
ولا تزال هذه الأقلام المرتعشة والمأجورة تطالعنا بين الفينة والأخرى بهرطقات سافلة في هذا المضمار الذي يدل على طرقه قول الشاعر:
كناطح جبلا يوما ليوهنه = فلم يضره وأوهى قرنه الوعل
وما إن تهافت هذا الذباب بأزيز أجنحته المهيضة على حرم القائد حتى نادته الأريحية الشنقيطية التي حل العقيد ضيفا عليها قائلة ” ألا إنكم في واطيء من السفح ولن تنالوا من الجبل الأشم”. يقول المتنبي مادحا سيف الدولة الحمداني:
وكل امرئ يولي الجميل محبب = وكل مكان ينبت العز طيب
ولا تمكن مقارنة ما قاءته تلك الأقلام من حقد أسود مع ما حبرته عنها الأقلام الطيبة النقية التي أعطت الزيارة ما تستحقه من إجلال وتعظيم.
وإنني أجد نفسي اليوم مضطرا للمرة الثانية للرد عليهم بعد ردي المعنون: “ارفعوا أقلامكم عن القائد” الذي نشر في عدة صحف في شهر مايو 2007.
وأجدني أشعر بارتياح كبير بسبب أن الأيام قد أنصفتني وأثبتت صدق ما قاله حول مهزلة الانتخابات وصدق تنبئه فلا غرابة في ذلك لما يتحلى به من بصيرة سياسية وفكر عال قل أن يوجد عند أحد من الحكام العرب.
ولست هنا بصدد تتبع سقطات هؤلاء المتحاملين على قائد عربي مسلم له مكانته الخاصة في نفوس الموريتانيين، وعلى ضيف موريتانيا العظيم: ذلك الرجل الإنسان الذي حمل روحه على كفه من أجل ليبيا والعروبة والإسلام والإنسانية قاطبة في فجر الفاتح سبتمبر 1969، ولا الرد على تجريحاتهم لأن القاريء الموريتاني متنور ويمكنه الفصل بين الحقيقة والأكاذيب وبين الحقيقة والتلفيق في كل ذلك.
ولا بد لي هنا أن أوضح أن العقيد معمر القذافي اختار إحياء ذكرى المولد النبوي في موريتانيا رغم وجود دول أخرى مستعدة تمام الاستعداد بينها تونس وتركيا والسنغال وزنجبار (تانزانيا).
ولهذا الاختيار عدة أسباب بينها أن قائد الثورة الليبية أراد أن يحيي بهذا الموسم العطر انطلاقة دولة المرابطين من هذه الربوع كما أنه إحياء لأولى محاولات تأسيس دولة فاطمية (في القرن 11 هـ؛17م)، على يد الإمام ناصر الدين (الولي الفقيه): أبو بكر بن أبهم الشمشوي اللمتوني شهيد المحراب بترتلاس (90 كلم جنوب انواكشوط) سنة 1084هـ/ 1673م الذي تلقب بعدة ألقاب تؤكد هذا التوجه بينها مشيع الدين ومنير الدين وآخرها الإمام ناصر الدين، وقد ترددت بعض الأنباء أن القائد كان ينوي زيارة ضريحه .
أما موضوع الوساطة في أزمة الحكم في موريتانيا فإن الأخ القائد لم يقدم مقترحا محددا علما بأنه يمتلك أكثر من مسوغ حيث سعى لمعالجة الأزمة بتفويض من مجموعة الاتصال الدولية وبوصفه رئيس الاتحاد الافريقي وراعي تجمع دول الساحل والصحراء (س.ص) ورئيس اتحاد دول المغرب العربي وهو فضلا عن ذا وذاك إمام المسلمين في الصلاة الجامعة التي درج على اقامتها تخليدا لذكرى المولد النبوي الشريف كل سنة وهي سنة حميدة، وآمغار وهو اللقب الذي أطلقه عليه زعماء قبائل أشقاءنا الطوارق ويعني بلغتهم القائد العظيم، وهو ملك ملوك وسلاطين وشيوخ افريقيا.
وقد باشر الأخ العقيد ملف الأزمة الموريتانية والتقى جميع الأطراف في طرابلس قبل أن يستمع إليهم في نواكشوط.
ولعله من المفارقات الكبرى أن ينسحب طرف من أطراف الأزمة، وهو تصرف غريب على سلوكيات وأخلاق هذه البلاد وهو كذلك تجني واهانة لأخلا هذا الشعب وخاصة أن القائد ضيف عظيم من طراوز خاص ولد مكانة متميزة في نفوس الموريتانيين وسكان الصحراء الكبرى قاطبة، ولم يكمل حديثه بعد وإنه لمن المفارقات أيضا أن نراهم اليوم يتجاوبون مع ما يسمى ـ زعما ـ “الوساطة السنغالية” “وما تغني دار ابي سفيان” وهي الوساطة التي لا تحظى بأي مصداقية على المستوى الاقليمي والدولي، ويرى أغلب المراقبين السياسيين أنها تخدم أجندة خارجية. يقول أحد شعرائنا الأفذاذ مستغربا:
أمربع الغصن ذا أم تلك أعلامه؟ = لا هو هو ولا الأيام أيامه!
وقد أدان الأخ القائد الانقلابات العسكرية وحمل أول حاكم عسكري أطاح بالشرعية الدستورية التي طارت بها في الجو عنقا مغرب وإلى اليوم ممثلة في النظام المدني الذي أسسه الرئيس المؤسس المرحوم المختار ولد داداه وحملهم مسؤولية الوضع المتأزم اليوم مؤكدا أن الانقلابات لم تعد مقبولة الآن، ومعتبرا أن ما تعيشه موريتانيا من وضع سياسي متأزم ما هو إلا محصلة ونتيجة طبيعية لما عرفه البلد منذ يوليو 1978 من انقلابات وانقلابات مضادة…
لقد جاء الأخ القائد معمر القذافي إذن، يدفعه التقدير الكبير الذي يكنه للشعب الموريتاني والذي ظهر جليا خلال زياراته السابقة فعندما زار القائد موريتانيا عام 1972 ، مختتما بها جولة شملت كل الأقطار العربية أكد الأخ القائد معمر القذافي أيده الله أن زيارة موريتانيا كانت “اكتشافا له، حيث لم يكن يتوقع المستوى الذي عليه الموريتانيون البدو من الثقافة العربية والعلم” وهو ما جعله يقول بعد ذلك في مناسبات عديدة، “إن على الليبيين أن يتعلموا العربية في موريتانيا”.
وأذكر زيارته التاريخية الثانية للبلاد عام 1983 والتي كان لي الشرف بحضورها رغم حداثة سني آنذاك حيث زار الزاوية اليعقوبية في تفريت (شرق نواكشوط) والتقى العلماء الأقحاح والشعراء النجباء في جلسة علمية تاريخية خالدة، وحضر صلاني العصر والمغرب، واستحضر مصافحتي له بحضور الرئيس محمد خونا ولد هيدالة الذي كان واقفا الى جانبه وأنه استحسن كثيرا تمثلي لبيتين ترحيبين لأحد شعرائنا الأفذاذ وهما:
مرحبا بكم أوان طلعتكم = ياعالمين من أين تؤكل الكتف
فمرحب قولها باللفظ متحد = لكنها باختلاف الناس تختلف
لقد جاء قائد الثورة الليبية في مناسبة دينية عظيمة هي ميلاد الرسول صلى الله عليه وسلم ليجدد في كنفه العظيم وفي ظلال مولده الفخيم،العهود مع شعب أحبه ومع دولة بذل الجهد لتطويرها أيام نشأتها الأولى.
فقد أمر الأخ القائد معمر القذافي منذ اللحظة الأولى لقيام العلاقات بين موريتانيا وليبيا، بالاعتماد على الخبرة الموريتانية في القارة الإفريقية، واعتبار القائد معمر القذافي الرئيس المختار بن داداه، مرجعه في إفريقيا ووسيطه مع قادتها، وهو ما سهل التغلغل العربي في القارة وساهم في إزالة الفرقة والحساسيات التي مكنت سنة 1973 من قطع الدول الإفريقية علاقاتها الدبلوماسية مع إسرائيل، وكانت السفارة الليبية في نواكشوط والسفير الأول فيها محمد المقرحي، منطلق النشاط الليبي في اتجاه الغرب والوسط الإفريقي، وكانت موريتانيا باب الدعم الليبي بالسلاح لثوار الصحراء الغربية ضد الاحتلال الإسباني، حتى خروجه، وتزويد أشقائنا في الصحراء الكبرى/ بلاد الملثمين، وخاصة أخوتنا في أزواد وشمال النيجر بالوثائق المدنية طبقا لاتفاقية “بناء” التي تكفلت موريتانيا بموجبها بتزويدهم بمستندات السفر، وهنا لا يسعني إلا أن أحيل القارئ إلى ما سطره الرئيس المؤسس المختار ولد داداه برشات حبره الرفيعة حول العلاقات الموريتانية الليبية في تلك الفترة التي لم تتأثر بالمواقف السياسية، وهي المذكرات المعنونة: “موريتانيا رغم الصعاب”، وكذلك ما كتبه الكاتب والباحث الليبي الكبير الدكتور محمد سعيد الكشاط في مؤلفاته العديدة حول الصحراء الكبرى.
وبأمر ومتابعة من قائد الثورة الأخ القائد معمر القذافي عقدت بين البلدين، مجموعة من الاتفاقيات في مجالات عديدة من أهمها التعليم والثقافة والعمالة والشؤون القنصلية.
إن مجموع هذه الخطوات تبرز الجهد الذي بذلته ليبيا الثورة، ليبيا العروبة والاسلام، ليبيا منارة إفريقيا، لمساعدة موريتانيا في النهوض الاقتصادي والمالي والتنموي في سنوات عجاف وهي أمور تذكر فتشكر.
ولقد كان لزيارة القائد ثمار إيجابية بينها تطهير عاصمة المرابطين ومهد دعوة الإمام عبد الله بن ياسين والفاتحين العظيمين: يوسف بن تاشفين وأبوبكر بن عامر وحفيدهم ومجدد دعوتهم: الإمام ناصر الدين والتي شاءت الأقدار أن تكون عاصمة للدولة الموريتانية الحديثة، من رجس الصهيونية البغيضة حيث اختفى للأبد علم الصهيونية من سماء موريتانيا؛ بلاد الملثمين وصحرائهم ولو لم يكن لهذه الزيارة إلا هذه الثمرة العظيمة لكفى.
لقد اختار الأخ القائد معمر القذافي أن تكون زيارته لموريتانيا مظروفة في إهاب ديني عريق هو ذكرى ميلاد الرسول الأعظم صلى الله عليه وسلم وهو ما لم يرق لجهات معروفة وغريبة في بلاد المنارة والرباط، مهد العلم والعلماء، الذين ابتليت بالتنقيص من الرسول عليه السلام ومن مناصريه ومحبيه وعلى رأسهم الأخ القائد معمر القذافي وتعتقد أن الاحتفال بالمولد النبوي الشريف بدعة منكرة فوجهوا بذلك السهام للزيارة وحاولوا التنقيص من ضيفنا العظيم وحركوا خطبائهم في المساجد للتشويش على الزيارة “والله متم نوره” وكفانا مؤنة الرد عليهم ما كتبه الإمام الأكبر مجدد القرن الرابع عشر الهجري العالم الرباني الشيخ الدكتور عبد الحليم محمود رحمه الله تعالى شيخ الأزهر المتوفى 1978،تلك المعلمة البارزة التي بناها الخليفة الصالح: المعز لدين الله الفاطمي في القرن الخامس الهجري، ولا تزال بارزة في سماء العلم والمعرفة ومرجعا لكل المسلمين في العالم، وهي الفتوى المنشورة في الجزء الأول من فتاويه: نشر دار المعارف الطبعة الرابعة الصفحة 273. وقد سبقه إلى ذلك الإمام جلال الدين السيوطي في كتابه الحاوي للفتاوي.
لقد أردت من موقع الإيمان بالروابط الموريتانية الليبية وأهميتها التاريخية والجيوسياسية وبخاصة في الظرف الحالي،أن أقف هذه الوقفة التي يمليها الضمير في مواجهة القوى المعادية للتقارب الموريتاني الليبي وعلى رأسها قوى الغربية – الماسونية البغيضة.
ولست هنا إلا مدافعا عن قيمنا وعن وشائجنا وهو واجب وطني نبيل.
ولعله من المهم،في الختام،الاستدلال على تطاول هؤلاء الأقزام على القائد بأبيات لشاعر عربي فحل يقول فيها:
إذا وصف الطائي بالبخل مادر = وعير قساً بالفهاهة باقـــل
وقال السها للشمس أنت خفية = وقال الدجى يا صبح،لونك حائل
فيا موت زر إن الحياة ذميمة = ويا نفس جدي إن دهرك هازل
وأخيرا أختتم بهذا البيت الرجزي:
ذا موقفي به جهرت = فليسمع الجميع ما قد قلت
“والله المستعان”

مواضيع مشابهة

أضف تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

Back to top button