مقالات

تماديا في العار

تماديا في العار، و في هذيان بلا مقدمات تحت عنوان “تفاديا للعار” في 21 صفحة، بدأ بـ”قبل سنة” و انتهى بــ”ـالإعصار اللولبي المدمر” تماما كما حدث، يبحر بنا ولد ابريد الليل في ليل بارد وسط عاصفة دهماء من الأكاذيب المرجفة إلى عوالمه الافتراضية الشوفينية النزعة السقيمة الخيال ، ممهدا ـ تحت الطلب ـ لثورة الجياع التي كان الجنرال يشرف بنفسه على فواصل سيناريوهها بتوزيع الأطباق الفارغة على سكان الرياض لاجتياح القصر الرئاسي يوم 9 أغسطس 2008 أي ثلاثة أيام قبل إقالته من منصبه التي أربكته فارتكب حماقته المشهودة.

و في محاولة لتمهيد الجنرال أو التغرير به يقول له ولد ابريد الليل في قصة من ألف ليلة وليلة : “إن طريقة الوثبة من الكبوة هي التي تميز النخبة الأصيلة و الحيوية عن أخرى منحلة و خائرة ، و عندما كان ضروريا العثور على رجل قادر على مجابهة ظروف الجزائر المأساوية ، اتجه البحث نحو قلب الجذر الرئيسي للوطنية الجزائرية … إلى رجل صلب عوده السياسي ألا و هو عبد العزيز بو تفليقة.”

ربما كانت هذه القصة السخيفة الاستدلال ، هي التي أغضبت عبد العزيز الأصلي (بو تفليقة) و الأصيل أيضا و جعلته يرفض انقلاب سميه المزور فمن المعروف أن الجزائريين لا يساومون في كبريائهم و هو ما نسيه ولد ابريد الليل في قصته الجميلة التي استيقظ ولد عبد العزيز قبل نهايتها بثلاثة أيام ليهجر النوم عينيه إلى الأبد.

أي هذيان يا ولد ابريد الليل و أي تلاعب بالمشاعر حين تذكر ولد عبد العزيز بما كان يجب أن ينساه بالضبط ؟ أذهب بك الاستخفاف بعقل الرجل و التلاعب به إلى وضعه في مصاف نخبة الجزائر التي ملأت الدنيا و شغلت الناس ببطولاتها الأسطورية و تاريخها العظيم؟

و تماديا في العار يبحر بنا ولد ابريد الليل في استهلال آخر ، خلط فيه الحابل بالنابل … أجهد نصوصه و أجهض أفكاره بتحميل المشهد ما لا يحتمله في خلط تبريري قدم لفصله بالتذكير بعروبة “كمبي صالح” (قبة صالح) و “آوداغوست” (القوس) بحثا في “تلك العصور البعيدة” عن عزة نفس لم يتوفق في نسج خيوطها بين مهادنة اترارزة التي حولها إلى بطولة أسطورية في عشرات السطور و استشهاد بكار الذي ضن عليه بسطر ليكون الشهيد العظيم الأمير بكار ولد اسويد أحمد الذي عاش على الخط الأمامي للمواجهة هو من “فوجئ” كالنائم تحت الشجرة ؟ و لا يذكر لنا ولد ابريد الليل أن إمارة الترارزة هي من قدمت ألف جمل و ثلاث كتائب للمستعمر للقضاء على المجاهد الكبير الأمير المظفر بكار ولد اسويد أحمد، كأن التاريخ فصل من المشهد السياسي الوطني يفسره ولد ابريد الليل ببرودة أعصاب لا مبالية في صالح من يشاء؟

هذا نوع من استدرار عطف الآخرين برع ولد ابريد الليل في تنميقه بتوظيف سيل من الأباطيل في خلط مقصود بين حقائق يعرفها الجميع و أكاذيب ابتدعها ولد ابريد الليل مع الترصد و سبق الإصرار لتشويه التاريخ في محاولة لخطب ود الجميع برشوتهم من خلال فبركة التاريخ بما يرضيهم لجرهم إلى تأييد أباطيله الشوفينية بالعزف على نقاط ضعفهم بدقدقة عواطف مريضة تهدهد العقدة التاريخية لديهم.

و تماديا في العار ، يتحامل ولد ابريد الليل على الرئيس سيدي ولد الشيخ عبد الله ، ملوحا تارة بضعفه (لو كان الرئيس سيدي ضعيفا لترككم تعبثون بكل شيء في البلد) و تارة بكونه مجهولا (كل النخبة الموريتانية مجهولة يا ولد ابريد الليل لأن كل من جاؤوا إلى السلطة كانت النخبة هاجسهم المشترك الذي عملوا جميعا على تحييده و محاصرته و إبعاده عن الواجهة)
أنت مزور للتاريخ و مراوغ متلون ، متموقع ، متموج متنمق، متصنع، متنوع ، مسترزق و مستهتر بكل شيء و في كل شيء:

قد يلاحظ من قرأ مدونة ولد ابريد الليل الخالدة “تفاديا للعار” استشهاده بكلمات بعض الصحافة الوطنية مدونة في أجندته بالتاريخ و عدد المطبوعة و اسم الكاتب كأنه كان يحضر للنتيجة التي يبحث عنها باستماتة رفيعة الترصد . و لا يمكن أن يفوت أي مسكون بورطة الكتابة أن أيا من تلك الشواهد لم يكن في محله و لم أر شخصيا أي قيمة فكرية أو أدبية في ما ذكره من استدلالات خالية العمق، بينة النفور مع استنتاجاته المبتورة . لكن ولد ابريد الليل تعلم من نفسية الموريتاني اعتزازه بالاستشهاد بمآثره ، و في عملية بحثه عن من يقبل ترهاته ، جمع أكبر كم من الاستشهادات النافرة لرشوة أصحابها من جهة و أيهام المتلقي باعتماده منهج البحث من أخرى .. لا، لن تفلح فيها يا ولد ابريد الليل، فقد سبقك أحد الفرنسيين المزهو بتاريخهم إلى كشف السر العظيم حين قال صادقا و هو كذوب في صميم مقصدك : “البيظان يقبل بعضهم البعض” : أقبلني أقبلك .. استشهد بما أقول أستشهد بما تقول … تجاوز عن مساوئي أتجاوز عن مساوئك . أما أن تصفو علاقة الود بيننا في غير صفقة ، ذلك ما يأباه تاريخ فضائحنا الطويل.

ـ يقول بيرنارد شو : “الرجل الخسيس ينتقم لخسته من الرجل الشريف”

و هذا ما نقرؤه في أبهى تجلياته من هجوم ولد ابريد الليل الكاسح على الرئيس سيدي ولد الشيخ عبد الله الذي لم يستطع أن يجد في تاريخه ما يستدل به على ما يسوق عنه من أباطيل لم يتورع عن حشوها بما طاب له من اتهامات مجانية لا تستند إلى شيء : يمكن لولد ابريد الليل أن يكون مزهوا بعلمانيته من دون أن يجعل من تدين الرئيس سيدي مأخذا عليه في مجتمع مسلم ربما لا يوافقه في نعت الرجل بالتخلف لهذا السبب.. و يمكن لولد ابريد الليل أن يوغل في عنصريته و شوفينيته من دون أن يحول الرئيس سيدي إلى خائن لسعيه إلى حل مشكلة المبعدين التي كان أحد منظري جريمتها و أبرز المدافعين عن عدالتها. لكنني كنت سأحترم ولد ابريد الليل أكثر لو كانت له الشجاعة في أن يكون صريحا في طرح مآخذه على الرجل . أما أن تخبئ نواياك المسمومة و تبحث عن أسباب بديلة للهجوم على الرجل من دون كشف حقيقتك ، فلن يكون لك ذلك و نحن هنا.. كنت سأحترم شجاعته على الأقل، لو قال إن موريتانيا أرضا للعرب يجب طرد الزنوج منها و إن كان هذا يذكرنا بدفاع هتلر عن العرق الآري : فعلى ولد ابريد الليل أولا أن يثبت عروبته حتى لا يكون أول ضحايا أفكاره المريضة.

و تماديا في العار ينصب ولد ابريد الليل نفسه حكما لتحديد من يصلح للحكم في البلد و يستثني كل أبنائه من القابلية و يزكي رفيقين له دون خلق الله واصفا كل من لا يؤيدانه بالموغل في الظلامية باستشهاده بمقولة ديغول : “إذا لم يكن المتميزون معكم فلن تحصلوا على القاطرة” و قد عاش نصف عمره مع الرجلين و لم يحصل على قاطرة و لا قنطرة؟

لكنك أيضا ، نسيت أهم مميزات الرجلين أو أحدهم على الأقل ، فقد عرفت شخصيا السيد إسماعيل ولد لأعمر عن قرب و كانت أهم مميزاته نبل التفكير و صدق العواطف و انسجام قوله و فعله و أستغرب جدا ـ و قد عرفتك عن قرب ـ أن تكون صادق الود لرجل مثله يختلف معك في كل ما يميزه و تختلف معه في كل ما حال دون تميزك.

و لا أستغرب شخصيا أن لا يلمع نجم السيد إسماعيل ولد أعمر في البلد ، فمنذ متى كانت السياسة تستقطب النخبة في أي بلد من العالم ، لا سيما في بلد مثل بلدنا ظلت السياسة فيه عمل من لا عمل له ؟ كما أعتقد أن مورغان فوريستر كان دقيقا في قوله : “لا يمكن أن تكون جادا و مؤثرا في نفس الوقت” و السيد إسماعيل ولد أعمر رجل جاد و هذا ما جعل “النخبة السياسية” الخاملة لا ترغب في شجاعته و صرامته و وضوح رؤيته و هذا أمر طبيعي بالنسبة لي على الأقل ، فالغريب عندي هو أن يلمع نجمه في أوساط سياسية تتحكم فيها الأنانية و المكر و الخديعة و الغدر و عدم الأمانة و عدم الوفاء. و هذا هو كان أفضل مكان للاستشهاد بكلمة جبران خليل جبران : “النجوم لا تومض إلا في ظلام الليل” فمما يجعل الرجل أكثر تميزا هو ذلك الليل البارد المصر بتلألؤ أقماره على كشف “النخبة السياسية” الموريتانية يا ولد ابريد الليل.

أنت رجل هلامي الطبع ، اناني النزعة، شوفيني الجبلة، يعاديك نصف المجتمع و تعادي نصفه الآخر فكيف تضع نفسك حكما ؟ و من تنتظر أن يستمع إليك؟

… و حين أصبحت توزع الفضيلة و تنعت أصحابها بالأصابع و بالأسماء مدعيا إدراك أسرارها الدفينة، فلماذا لا تعد نفسك من ضمنهم أم أنك تعي أن الجميع يدرك حقيقتك؟ ألا يكفي أنك تشهد لهم بالنزاهة و تستثني نفسك ؟ إذا كنت مزهوا بنظافة الرجلين و هما كذلك شجاعة و أمانة و نبلا، فلماذا لا تحاول على الأقل أن تكون مثلهما و لست أنا من استثناك من القائمة بل أنت نفسك من فعلها ؟

هل نسيت يا ولد ابريد الليل، أنك انتهيت عند ما قبض على الحركة البعثية التي كنت تقود جناحها المدني فأنكرت النساء و الشباب و لم تستطع أجهزة الأمن أن تحصل من أي منهم أو منهن على دليل قبل أن يأتوا بك مع المختار ولد السالك الذي كان يقود الجناح العسكري لتقولا ، نعم هذا كان معنا و هذه منتسبة إلى حركتنا و هؤلاء كانوا من خيرة أتباعنا، فأنى لك الكلام عن النخب و التنظير للعصور التنويرية؟ أم أن عدم الحياء هو السمة البارزة لإنسان هذه الأرض الغريب الأطوار؟

و …”حين ينهار جبل الثلج (يا ولد ابريد الليل) تتهاوى قمته إلى القاع” : أنت في قاع مأساتنا الوطنية يا رجل ، فارحم نفسك و تذكر أين أوصلتك المؤامرات و كتاباتك للبيانات العسكرية تلو البيانات العسكرية من معاوية إلى ولد عبد العزيز.. و قبل أن تبحث عن من تنظر له ، أبحث عن من يسدي لك النصح : فقد نسيت نفسك كثيرا و بعتها رخيصة و قتلت موهبتك الكتابية بعدم صدق المشاعر و عدم نبل المساعي .. ارحم نفسك فقد أسرفت عليها تماديا في العار

سيدي علي بلعمش
belamch@maktoob.com

مواضيع مشابهة

أضف تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

Back to top button