مقالات

فشل المقاربة الأمنية دعوة إلى الحوار/عبد الودود ولد عيلال / اقلام

الصلح خير نقطة بداية في دعوتنا إلى بناء أساس متين للحوار الجاد والبناء وتنطلق هذه الدعوة من روح التسامح والحاجة الماسة إلى قيام النظام السياسي بمقاربات سياسية مسؤولة يمكن من خلالها تجاوز الأزمة مع أبناء الوطن من المنتسبين للحركة السلفية بمختلف أطيافها بعيدا عن المقاربة الأمنية الإستئصالية التي أثبتت فشلها منذ انطلاقتها الشرسة 2003م.

فلا يخفى أن القادة السياسيين والعسكريين على بينة من أن هذه العمليات الأمنية وإن كانت في معظمها دفاعية أحبطت من خلالها مخططات كبيرة لتدمير مرافق حساسة وراح ضحيتها أكثر من ثلاثين عنصرا من مؤسستي الجيش والشرطة إلا أنها تبقي سلاحا ذا محدودية لا يمكنه وحده الحسم في صراع أساسه أيديولوجي بحت تساهم في إذكائه أوضاع دولية وإقليمية غير مساعدة فضلا عن العوامل الداخلية والمتمثلة في آثار التطبيع المخزي مع الكيان الصهيوني أيام ولد الطابع والذي كان له الدور الأبرز في صناعة الاحتقان الداخلي وتهيئة الأجواء لهكذا نوع من الأفكار.

ولذالك فإن العقل والمنطق يرى أن استنزاف الدولة لمقدراتها الاقتصادية والبشرية في صراع داخلي يسمح للأخر بابتزازنا والتحكم في ثرواتنا وانتهاك أعراضنا بعد أن نضعف أنفسنا بالانشقاق والاختلاف فتذهب ريحنا. ومن هذا المنطلق بالذات يكابر بالمحسوس من لا يبصر حاجتنا إلى حل سريع يكمن في مقاربة سياسية جديدة تستند علي الحوار كسلاح استراتيجي وحضاري يمكن تحويل مفعوله إلى مكاسب سياسية من خلال خطة عمل سياسي تنتهجها القيادة الحاكمة وتتيح عبرها مجالا للعلماء والأئمة القادرين على محاورة السجناء ومنازلتهم فكريا وتقديم النصح لهم وتبيان أخطائهم ومكامن الخلل في فهمهم بالحجج الدامغة.

ويجب أن ينبني هذا الحوار من ناحية أخرى علي رؤية مشتركة يمكن من خلالها الوصول إلى مرحلة الاعتراف بالأخطاء وقبول التعايش الداخلي خدمة للسلم الأهلي. وهذا ما لا يمكن أن يتحقق إلا إذا وصلت عقول السجناء السلفيين إلى قناعة تامة بضرورة المراجعة الفكرية الشاملة تقييما لتجربتهم المحلية في مدى احتكاكها بالواقع الاجتماعي والسياسي ونتائج صراعها والذي لا يزال مستمرا مع النظام، وأن يكون هذا التقييم بوابة للخروج من الأزمة والاندماج في المجتمع واستئناف الدعوة على أقوى أسس الفضيلة والتقوى بعيدا عن حمل السلاح ونهج العنف كوسيلة للتغيير وطريقا لإدراك الجهاد في غير موضعه.

ومع هذا كله لا نستبعد أن يكون الأمر سهلا إذا كان السجناء على مستوى من الاستعداد الذهني والنفسي لتقبل الحلول السلمية والخروج بأنفسهم وبلدهم من عنق الزجاجة وذالك من خلال استيعاب الأزمة وامتصاصها واستخلاص العبرة والاستفادة منها لتصحيح المسار بتجاوز الأسباب التي كانت ورائها أصلا بداية بالتراجع عن احتكار الصواب والحكم بجاهلية الشعب والخلط بين مرحلتي الدعوة والدولة عند البعض والتستر علي الأخطاء وتكرارها بانتهاج سياسة الهروب إلى الأمام عند البعض الآخر والناتج طبعا عن الضعف المعرفي والابتعاد عن نقد الذات والوصول إلى مرحلة الأنا التي جعلت الفرد ومصالحه الذاتية (وبكل الوسائل ) وفي كل الحالات فوق مصلحة الجماعة.

ضف إلى ذالك تجاوز أهل العلم وعقلاء التيار من العارفين بعلوم الشرع والواقع وإن كان هذا التجاوز سببا أساسيا في جعل البعض يسلك مسالك الغلو رغم حسن نيته ومقصده، فأساء هؤلاء إلى الدعوة من حيث أرادوا خدمتها حيث صنعوا العدو الداخلي وجعلوا الانتماء الحركي غاية سامية في حد ذاته مما أدى إلى إقصاء الآخر والانفصال عن الشعب والتقوقع علي الذات وضياع مفهوم الأخوة الشاملة، ونقول الغلاة حتى لا نظلم الآخرين وذلك كون الصورة من الداخل بالنسبة لسجناء التيار السلفي تظهر أفرادا تجمعهم العقيدة وتعرضهم للظلم من البداية بشتى أنواعه كما يفرقهم فهم الواقع والتعامل معه وقد بدأت رحلتهم مع الظلم أيام ولد الطايع يوم تاجر بدعوتهم في سوق النخاسة السياسي علي خشبة المسرح الدولي تحت عنوان الحرب علي الإرهاب.

كما أن الإعلام ظلمهم حين ضخم من شأنهم وجعلهم في مخيلة الري العام المحلي غولا يلبس عباءة التنظيم ويعشق الدماء، ومع أنهم أيضا ظلموا أنفسهم بتجاوزهم لمقدراتهم العلمية والعقلية إلا أنه يبقى الترويج في هذه المرحلة لخطاب استئصال الإسلاميين من المشهد يقف بالضرورة مع المقاربة الأمنية الفاشلة. وتبقى كما أسلفنا المقاربة السياسية المبنية علي الحوار في ظل خطاب سياسي معتدل ومنصف يهدف إلى إعادة التوازن للأمور من أجل الوصول إلى خيار السلم كخيار استراتيجي في ظل دولة تبتعد عن النهج البوليسي، هو الحل الأمثل.

ولا يخفى علي المتتبع للشأن الداخلي أنه أصبح ضرورة ملحة في هذه اللحظات أكثر من أي وقت مضى خصوصا بعد انتهاء الأزمة الأخيرة واستتباب الوضع السياسي الداخلي عقب انتخابات 18 يوليو الأخيرة مما هيأ الأجواء وجعل الأرض خصبة للحوار مع السجناء السلفيين، هذا إن كان النظام الحالي صادقا وعازما علي مواصلة ترجمة شعارات الإصلاح علي الواقع وتنفيذ ما قطعه من وعود علي نفسه منذ وصوله إلى سدة الحكم. ونظنه كذالك خصوصا أنه أثبت منذ اعتلائه السلطة قدرة كبيرة على محاربة الفساد وإحقاق العدالة الاجتماعية والمساواة وحقن الدماء ونشر روح التسامح.

ويعتبر طرد السفير الإسرائيلي طردا مذلا ورأب الصدع الاجتماعي بتصحيح الأوضاع الإنسانية لأشقائنا العائدين من الضفة الأخرى بعد معانات دامت زهاء عشرين سنة دليلا حيا وملموسا يجعلنا نثق في قدرة ولد عبد العزيز علي إنهاء جميع الصراعات الداخلية لمواجهة التحدي الأكبر الذي يواجه البلاد والمتمثل في الجهل والفقر والمرض والتخلف عن الركب الأممي وانتشار الفساد وانهيار الأخلاق والقيم.

ويطالب النظام في هذه المرحلة الحرجة بالاستفادة من تجارب الآخرين من دول الجوار وغيرها ممن اكتووا بنيران فشل المقاربات الأمنية والتي لم تكن أكثر من جعل العربة أمام الحصان وأن يفهم أنه يصارع الأبناء لا الأعداء وأن مكمن الداء خلل في البنية الفكرية وعليه فإن الدواء الناجع هو كما أسلفنا محاورتهم فكريا ومقارعتهم بالحجة ومن ثم الانتقال إلى معالجة الأسباب العميقة التي كانت وراء التطرف مع علمنا أن الكثير من السجناء السلفيين الموريتانيين معتدلين في فكرهم وطبعهم ويكمن خطأهم في عدم تمايزهم عن غيرهم ويظل الصفح عنهم وإطلاق سراحهم واجب شرعي قبل أن يكون وطنيا وإنسانيا.

كما أن الحوار يبقى مع الجميع بدون استثناء حتى مع من أخطئوا وحملوا السلاح باعتباره السبيل الوحيد لفتح الباب أمام من يريد التعايش السلمي وممارسة دعوته في ظل احترام مبادئه وحقوقه بما في ذالك حقه السلمي في رفض الديمقراطية واعتباره لها نظاما علمانيا يخالف الإسلام شكلا ومضمونا وهذا في حد ذاته حق تكفله الديمقراطية التي شرعت الاختلاف وحرية الاعتقاد.

عبد الودود ولد عيلال

سجين إسلامي سابق

عن موقع “اقلام حرة ”

مواضيع مشابهة

أضف تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

Back to top button