مقالات

لماذا أغلقت المؤسسة القطرية فروعها في موريتانيا/محمد و لد محمد موسى

أصدرت المؤسسة القطرية الموريتانية للتنمية الاجتماعية يوم 2 فبراير الجاري قرار بإغلاق منسقيات المؤسسة في ولايات كيدماغه والحوضين وغورغول، كما تضمن القرار أمر بالاستغتاء عن خدمات كل المسؤولين والعمال في هذه المنسقيات قبل نهاية نفس الشهر، و كلف المدير التنفيذي للمؤسسة بتطبيق هذا القرار، وذلك ما نفذه بطريقة استعجالية، حيث بدأ منذ اليوم الرابع من نفس الشهر في إصدار القرارات التي تنهى خدمات المعنيين محددا أجلا نهائيا للعملية بيوم 28 من شهر فبراير.
الطريقة المفاجئة والاستعجالية التي تمت بها عملية إغلاق المنسقيات، التي بلغ تمويلها مئات ملايين الأوقية، حسب مصدر مطلع طلب عدم الكشف عن أسمه، أثارت علامات أستفهام كثيرة عن أسبابها ودواعيها؟ خصوصا أن عملية إغلاق المنسقيات يفترض أن تتم بعد اكتمال المشاريع التي تشرف عليها وتسليمها للطرف الموريتاني حسب الاتفاقية المبرمة وذلك ما لم يتحقق فعلا، كما تساءل البعض عن مدى علم السلطات القطرية في الدوحة بحقيقة الوضع هنا، كما تساءل البعض عن الطريقة التي كانت تسير بها هذه المؤسسة التي كان مسيطرا عليها بشكل شبه كامل من طرف عائلة واحدة يحمل أفرادها الجنسية الجزائرية، ورغم أن رئيس مجلس الإدارة قطري إلا أن الشخصية المحورية في المؤسسة كانت المدير التنفيذي الذي يمسك بيده كل أطراف اللعبة باعتباره المشرف المباشر على عمليات صرف المبالغ المالية الضخمة، التي لا يعرف أين ذهبت، وكيف صرفت، ومن استفاد من هذه المبالغ المالية الضخمة بالنسبة لمشاريع يبدوى بشكل جلي، أن البني التحية والاجهزة والاليات التي تحويها لاتمثل القيمة الحقيقية للمبالغ التي صرفت.

تشكل المؤسسة القطرية للتنمية الاجتماعية التي تأسست 15 دجمبر 2004 إحدى واحات العمل الخيري المتعددة لدولة قطر في موريتانيا والتي أتخذت على مر السنين الماضية أشكالا متعددة أثمرت العديد من الانجازات كانت من بينها هذه المؤسسة العملاقة التي بني عليها آلاف الفقراء آمالا عريضة والتي توشك أن تتحول بفعل إنعدام مسؤولية البعض وجشعه إلى سراب بقيعة، وكانت أعمال هذه المؤسسة الخيرية المعطاء موجهة خصيصا وبشكل مباشر للمواطن الموريتاني دون وسيط بهدف مد يد المساعدة لانتشاله من براثن الفقر والجهل والمرض من خلال العمل على ثلاث محاور هي : محو الأمية، التكوين والتأهيل والتشغيل ( مشاريع مدرة للدخل) قصد دفع التنمية في البلد من خلال إقامة مشاريع في قطاعات التعليم والصحة وتنمية المجتمع. و حاول القطريون إدارة هذه المؤسسة بشكل مباشر من خلال الاشراف على تسيرها بمساعدة بعض الموظفين الأجانب ( الجزائريين) و الموريتانيين.
ومكنت نشاطات المؤسسة القطرية التي استهدفت الطبقة الفقيرة الآلف من الاستفادة من برامجها في ميدان محو الأمية والتكوين والتأهيل بداية ومع مرور الزمن ووسعت الهيئة أنشطتها لتشمل ولايات داخلية أخرى لتوسيع قاعدة المستفيدين وإشراك مختلف المناطق الموريتانية في العملية التنموية ووقع الاختيار على ولايات كيدماغة والحوض الشرقي والحوض الغربي في المرحلة الأولى لتكون منطلق العمليات الميدانية للمؤسسة وفي مرحلة لاحقة تمت إضافة ولاية غورغول .
واتخذت نشاطات المؤسسة عدت أشكال من بينها بناء مراكز للتكوين والتأهيل بالإضافة إلى فتح أقسام لمحو الأمية بلغ تعدداها بالنسبة لكل ولاية من الولايات الثلاثة 60 قسما وحسب المتابعين لهذه الأنشطة فإنه لم يستثمر فيها م ثلث التمويل المخصص لها، وكان من المقرر أن يستفيد منتسبي هذه المراكز والأقسام من مشاريع صغرى يتم تمويلها من طرف المؤسسة بالنسبة للخريجين مع أن أغلبهم قد أنهى التكوين والدراسة إلا أن قرار إغلاق المنسقية حرمهم ذلك.

وقبل بدأ العمل أجريت دراسة ميدانية ومسح شامل في كل ولاية وقد وتقرر تقديم مبلغ مليون دولار لتمويل المشاريع في الولايات الثلاثة – وقد ضخ هذا المبلغ فعلا في المؤسسة- أما غورغول التي ألحقت بالولايات السابقة باعتبارها إحدى مناطق تركز جيوب الفقر فلم يخصص لها بعد التمويل المفترض، وبعد انتهاء المراحل الأولى ودخول المشروع في مرحلة تمويل المشاريع، فوجئ المستفيدون بقرار من رئيس مجلس الإدارة والمدير التنفيذي بإغلاق منسقيات هذه المشاريع المكلفة بالمتابعة وعلى الإشراف على كل الأنشطة في هذه الولايات مما عطل 57 مشروع في الولايات الثلاثة بينما لم تستفد الولاية الرابعة من أي مشروع لحد الآن رغم تلهف المستفيدين.

وحسب مصادر مطلعة فإن المشاريع التي تم تمويلها التجهيزات التي اشتريت لها في حقيقة أمرها عبارة عن قمامة استجلبها المدير التنفيذي من السنغال و جمهورية مالي وهو من استلمها عن طريق المحاسب ومسؤول الأشخاص المكلفين من طرف المدير بعملية التسلم وقد كلفت هذه التجهيزات ما يزيد على 40 مليون أوقية وقد تلف معظمها خلال عملية النقل ومن بين الاجهزة التي تم إستيراداها ماكينات خياطة وثلاجات وغيرهما تم إستيرادها بأسعار باهظة تكلفت 3 أضعاف سعرها الحقيقي فمثلا ماكينات الخياطة الصينية التي تكلف 8 آلاف أوقية في موريتانيا تم شراءها بـ 30 ألف أوقية ونفس الشيء ينطبق على خردة ميزان للخنشات تم شراؤه بـ مئات آلاف الأوقية، وكذلك 16 آلة طحن للحبوب تم إستيردها من السنغال تعطلت بعد أسبوع واحد من تركيبها بالإضافة إلى العديد من التجهيزات الأخرى المماثلة ما يوحى بعمليات تلاعب وفساد كانت هي السبب الرئيسي في انهيار العملية برمتها.

وحسب المعلومات التي لدينا فإن بعض مشتريات المؤسسة والمشاريع والمراكز تشترى من طرف المدير التنفيذي من خلال مؤسسة مالية وهمية مالكها بائع خردة مالي الجنسية، كما تتحدث ذات المصادر عن أن المدير التنفيذي للمؤسسة فسخ عقود إنجاز مباني للمؤسسة مع شركة صينية وتم تحويل هذه العقود لشركات أخرى بأثمان جديدة باهظة ولتبرير هذه الإجراءات الجديدة أضيفت بعض التعديلات الشكلية على البنايات بهدف التغطية على زيادة نفقات ونفس العملية تتم بشكل يومي في مباني المؤسسة الحالية حيث يتم بشكل دائم إجراء تعديلات من قبيل استيراد نباتات وزرعها بالحديقة واستبدال الديكور الداخلي بأثمان باهظة وحتى إجراءات إصلاح الحنفيات والحمامات كل هذه العمليات كلف بها مواطني سنغالي تخصص في مضاعفة الفواتير، وكما أن كافة مشتريات المؤسسة من الأدوات المكتبية وما إلى ذلك تتم من خلال مؤسسة لبنانية في نواكشوط تفوترها بأثمان مبالغ فيها.

والغريب في كل الأمر أن المؤسسة تم تفتيشها للمرة الثانية من خلال مكتب تفتيش مغربي وخلال التفتيش الأول اكتفى مبعوثي المكتب بلقاء المدير التنفيذي ومحاسبه والمقربون منه وأعدوا تقريرا بناء على أقوالهما دون سؤال أي من الموظفين الآخرين بالمؤسسة للتأكد من صحة مزاعمها، وهذا ما يتم اليوم في زيارة التفتيش الثانية.

وحسب نفس المصادر فإن المؤسسة مسيطر عليها بشكل كامل من طرف لوبي موال للمدير التنفيذي مكلف بالتغطية على الفساد الذي ينخر المؤسسة وقد استطاع المدير التنفيذي السيطرة على أعضاء من خلال العطايا والترقيات والتهديد وحتى الضرب كما حدث في وقت سابق مع أحد كبار الأطر الموريتانيين العاملين بالمؤسسة.

للإشارة فإن قرار إغلاق المنسقيات تشوبه بعض الهنات حيث أن تنفيذه بدأ بسرعة مريبة دون أن تعطى للمعنيين مهلة معقولة كما الإدارة المحلية لم تحط علما به في الوقت المناسب، ونفس الشيئ ينطبق على مجلس الادارة مما وضعه أمام الأمر الواقع، كما أن إغلاق هذه المنسقيات يفترض أن يتم بعد تسليم المشاريع التابعة لها للسلطات الموريتانية لأن المشرفين عليها هم الذين يعرفون أماكن هذه المشاريع وحقيقة أمرها، فما قام به المدير التنفيذي مخالف للاتفاق الذي أبرم مع السلطات ومن الواضح أنه يريد أن يلملم القضية خشية اكتشاف عمليات التلاعب الكبيرة في المشاريع التي لم تمول حسب الطريقة التي أرادتها قطر .

إن هذا الإجراء المرتجل وغير المبرر حسب المستفيدين و المشرفين على المشروع يشكل محاولة للتغطية على الفساد الذي بدأت تفوح رائحته من داخل المؤسسة، كما يشكل ضربا قويا للنتائج التي بدأ الشارع الموريتاني يلمس آثارها واضحة في العمل الخيري القطري مما سيفسد على قطر كل ما زرعته خلال السنوات الماضية من عمل خيري وسمعة طيبة وعلاقات وطيدة مع الشعب الموريتاني بسبب نزوات أشخاص أجانب لاتهمهم المصالح القطرية الموريتانية في شيء.

محمد و لد محمد موسى
med.moussa@yahoo.fr

مواضيع مشابهة

أضف تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

Back to top button