أخبار

نظام ولد عبد العزيز: سيناريوهات السقوط وفاتورة البقاء

تكالبت الأحزاب المعارضة منذ فترة على نظام ولد عبد العزيز واصفة إياه بالعجز وعدم القدرة على إدارة المرحلة الراهنة، ومتهمة إياه بتبني من تعتبرهم المفسدين ومنحهم الفرصة في اعتلاء مناصب حساسة في مختلف دواليب الحكم، الأمر الذي جعل بعض زعماء تلك الأحزاب يصل إلى حد التأكيد على ضرورة الإطاحة بهذا النظام، وإذاكان التفكير في تغيير السلطة القائمة والبحث عن آليات مناسبة لذلك التغيير هو أحد الحقوق المتاحة دستوريا للمعارضة، إلا أن السياق الذي ظهرت فيه مثل هذه التصريحات والدلالات التي حملتها خطابات كل من أحمد ولد داداه ومسعود ولد بلخير كان يمكن لها أن تفتح الباب واسعا أمام النظام لتوريط من يعتبرهم أكثر خصومه السياسيين خطورة وأشدهم تعنتا وصلابة في ملفات قانونية، وتضييق الخناق عليهم، على الأقل بتهمة التحريض على العنف وتهديد الاستقرار، غير أن النظام نفسه أهمل تلك التصريحات واكتفى بردود خجولة حاولت حصر كلام زعماء المعارضة في زاوية اللامسؤولية، والتشويش على مساره الحكومي والحزبي، مما يجعل من المشروع التساؤل حول ما إذا كانت المعارضة قد رأت في تصورها الجديد أن النظام قد دخل بالفعل مرحلة الإحتضار، ومن ثم يصبح من الطبيعي حديثها عن البدائل والآليات المتاحة لإيجاد الحلول المناسبة لأزمة دولة ومأزق نظام سياسي هش ؟

– أم أن المعارضة لم تسعى من وراء تلك التصريحات الحساسة وذلك الزخم كله إلى تغيير واقع بقدرما هدفت إلى خلق موقف استفزازي يصبو إلى تهييج وتحريض السلطة ضدها، الأمر الذي قد يخدم مصالحها على المديين القريب والبعيد خاصة إذاما انجرف نظام ولد عبد العزيز وراء الإغراءات القانونية والقضائية لمثل تلك التصريحات الأمر الذي من شانه تمكين المعارضة من خلق حركية جديدة وتجنيد الرأي العام المحلي والعالمي الذي بات في جمود شبه تام تجاه المشهد السياسي الموريتاني؟

إن الإجابة عن هذين التساؤلين تقتضي منا طرح سؤالين جوهريين آخرين هما: مالذي دفع نظام ولد عبد العزيز للركون إلى زاوية الصمت في وجه ذلك السيل الجارف من الانتقادات وحتى التهديدات التي بات يتلقاها من خصومه في مختلف أطياف المعارضة؟

وماهي الفاتورة التي قد يدفعها هذا النظام للبقاء والحفاظ على كيانه السلطوي في ظل محدودية الخيارات والبدائل المتاحة له من جهة، وغياب التوافقات السياسية التي يمكن أن تسهم في إيجاد حلول ملائمة للأزمة الراهنة من جهة أخرى؟

وإذاكان زعماء المعارضة قد استطاعوا قراءة واقع نظام ولد عبد العزيز والتنبؤ بمآلاته على ضوء ما اعتبروه مؤشرات لوجود اختلال بنيوي يعانيه هذا الأخير، وهو ما حاولت المنسقية العامة للمعارضة التعبير عنه خلال مناسبات عدة، بدءا من إثارة قضية الانتخابات والتشكيك في نتائجها وعدم الاعتراف بها مرورا بانتقاد الطريقة التي تمت بها إدارة ملفات محاربة الفساد، وانتهاءا باتهام ولد عبد العزيز بالتعسف والسطحية في التعاطي مع إشكاليات وقضايا جوهرية كتلك المتعلقة بالهوية أو بتوجهات السياسة الخارجية للبلد، ناهيك عن عدم الاعتراف بالتعددية والاختلاف ومن ثم تحييد المعارضة وتهميشها في العملية السياسية…،
الأمر الذي جعل هذه الأخيرة تتبنى موقفا حاسما من النظام القائم يصل إلى حد المطالبة بإسقاطه.

إن المعارضة في هذا الطرح الأخير إما أن تكون قد راهنت على متغيرات بنيوية ذات صلة بالمؤسسة العسكرية وباختلال التوازنات السلطوية داخلها، أو أن تكون قد اعتمدت على إيحاءات خارجية نابعة من غياب الانسجام بين مخرجات النظام وبين ما تطالب به أو تفرضه أحيانا الأنساق الداخلية والخارجية التي كثيرا ما يشكل ضغطها إرباكا لعملية صناعة القرار ورسم السياسات العامة لهذا البلد، وقد يكون من السهل في ظل الهدوء النسبي الذي عرفته الساحة السياسية بعد تصريحات كل من مسعود ول بلخير وأحمد ولد داداه ولجوء ولد عبد العزيز إلى اللامبالاة كنهج للرد على تلك التصريحات، أن نقف على سيناريوهين اثنين على الأقل

– أولهما متعلق بعدم جدية المعارضة في تلويحها بورقة التغيير غير الانتخابي لنظام الحكم في البلاد، خاصة إذاما أخذنا في الاعتبار اخفاقها في خلق رأي عام دولي أو محلي جاد في مناهضة أو على الأقل التشكيك في شرعية نظام ولد عبد العزيز مما قد يمنع هذا الأخير من توسيع قواعده الحزبية وفرض منطقه السياسي.

– أما ثاني السيناريوهات فهو أن تتمكن المعارضة من رمي الكرة في ملعب السلطة فما كان يفترض به أن يصبح نقطة قوة لصالح النظام من زاوية قانونية، بات الآن يشكل معضلة سياسية أثارت مسألة قدرة النظام على البقاء أمام التحديات التي من المفترض أن تواجهه، وهي المسألة التي تطرح بقدر كبير من الخوف والحذر خاصة في ظل محاولة النظام خلق قاعدة حزبية تتماهى وطموحاته السلطوية المستقبلية، من هنا يكون لزاما على النظام التعاطي مع المعارضة وإهمال الفراغ الذهني الذي يمكن أن يخلفه التساؤل حول جديتها حتى وإن كان المعنيون بذلك الفراغ الذهني هم الجماهير العريضة التي يسعى الحزب الحاكم نفسه إلى تجنيدها في معاركه الانتخابية المستقبلية، من هنا يكون توريط زعماء المعارضة في ملفات قانونية هو انتصار لهؤلاء ووأد للمشروع السياسي للحزب الحاكم ذو الطموحات اللامحدودة في التوسع والانتشار، بينما يشكل الوضع القائم بالنسبة للنظام البقاء في أفق محدود يضمن القدر الأقل من الخسارة وفق مقاييس لعبة صفرية قد لا توفر للمعارضة أيضا غير القدر الأقل من المكاسب مقارنة بما كانت ستكسبه من تعاطف وتجانس داخلي في حال سجن زعماءها وهي التي قد تبدو بأمس الحاجة إلى ذلك التعاطف والتجانس حتى أكثر من النظام ذاته، بسبب الرهانات التي من الممكن أن تفرضها طبيعة المرحلة السياسية القادمة التي لن يكون من المستبعد أن يسيطر عليها الطابع “الحملاتي” والدعائي المضاد لمابعد التهديد بإسقاط النظام.

– أنباء – حمدي ولد الداه

مواضيع مشابهة

أضف تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

Back to top button