ولد بونا يكتب : هل هناك ارتباك وفراغ سياسي ؟
لا يستطيع المراقب للشأن السياسي الوطني تشكيل صورة واضحة القسمات لما يدور الآن في انواكشوط من لعب سياسية ضبابية الملامح.
ففي الواجهة السياسية مايبدو كصراع على حزب سياسي يفترض أنه كان حزبا حاكما ؛ ولاهو بتلك القيمة السياسية الثقيلة ليحتل واجهة الأحداث.
فلقد انكشفت هشاشته في الانتخابات الرئاسية الأخيرة وضعف شعبيته ؛ خاصة في عقر دار رموز منه حل المرشح الرئاسي محمد ولد الشيخ الغزواني حينها ثانيا او ثالثا في دوائرهم الانتخابية !
ولقد سقطت ورقة توت الوحدات وعداد المنتسبين الافتراضييين لهذا الحزب ؛ الذي اعلن انتساب 90%من الكتلة الناخبة الاجمالية له؛ ليتضح زيف ذلك الضخ الإعلامي عن اتساع شعبية الحزب.
ولاهو حقيقة بالحزب ؛ فللأحزاب بطاقة تعريف مدنية غير هذه التي تتسم بها الاحزاب الموريتانية في غالبها ؛ وحزب الاتحاد خصوصا .
فما الذي خلف ماهو علني من تجاذب سياسي حول حزب الاتحاد؟
شخصيا لا ارى مصداقية لمايجري ؛ ولا ارى فيه أي أولوية وطنية ؛ فهو قد جرى نتيجة لفراغ سياسي تركه الرئيس غزواني طيلة 100 يوم الاولى من تنصيبه رئيسا للجمهورية الإسلامية الموريتانية ؛ فالشعب الموريتاني شعب مسيس بكل مستوياته؛ وإن لم يشغله مركز القرار بطرح سياسي عميق هادف شغلته النخب والشعب بدوامات سياسية لا نهاية لها ؛ ودفعته لموقع الدفاع وردات الفعل ؛ ففقد زمام المبادرة .
فهل سيستعيد الرئيس غزواني زمام المبادرة السياسية كقائد لهذا الشعب في ظرف بالغ الحساسية لا يتحمل إعادة تدوير الصراع السلبي على السلطة والنفوذ والثروة ؛ و الذي يعاد تدويره منذ عام 1978
أين أخطأ الرئيس غزواني ؟
لقد كان الخطأ السياسي الرئاسي جليا حين أدار الرئيس غزواني ظهره لاغلبية وطنية ناضجة صعدته رئيسا دون تمويل من حملته الخاصة ولا العامة ودون تنسيق مع حزب الاتحاد الذي كان واضحا إمساكه للعصا من النصف ؛ فلا هو خاض حملة رئاسية قوية لصالح غزواني ؛ ولاهو دعم الحملات المستقلة الداعمة له ؛ وأرسل بذلك رسائل سياسية سلبية مربكة ؛ جعلت المراقبين يشعرون بعقد خفية لم تحل بعد ؛ خلف الستار ؛ ويتوقع بروزها على السطح فجأة كما حدث!
طيف وطني واسع من المعارضة وقلة من الموالاة وكثير من المستقلين من كل المجتمع الموريتاني واعراقه ؛ وأجيال جديدة ؛ أصرت على تتويج غزواني رئيسا لتجده بعد التنصيب منشغلا عنها بملف حزب الاتحاد !
كان يفترض ان يكون من اولويات الرجل نسج شبكة امانه السياسي بدقة ؛ وهو الخبير بكل المشهد وتفاصيله ؛ ففي السياسة لا حكمة إلا الحكمة العربية القديمة ( ماحك جلدك مثل ظفرك ) ؛ فالرئيس الذي يترك للآخرين حبكة شبكة أمانه السياسي غالبا ما يجد نفسه بلا شبكة أمان .
والرهان حصريا على دعم الجيش والامن لايكفي ؛ في بلد يفترض أنه ديمقراطي على وشك أن يطوي صفحة الرؤساء القادمين من المؤسسة العسكرية في المدى المنظور عبر صناديق الاقتراع.
فمالذي يخشاه غزواني لكي لايبادر لاحتضان اغلبية جعلته رئيسا ؛ وينظمها في إطار دستوري ؛ ويتخلص من ورقة برلمان حزب الاتحاد ؛ الذي لايؤمن مكره السياسي في اتون تجاذب سياسي حساس لم يعد يخفى على الشعب ؛ إن في حل البرلمان والدعوة لانتخابات تشريعية وجهوية وبلدية علاج لابد منه للخروج من دوامة الابتزاز السياسي ؛ والضربات تحت الحزام ؛ ويكون ذلك بعد تأطير أغلبية الرئيس غزواني في إطار دستوري بعيدا عن حزب الاتحاد والطبقة المهيمنة علي مايسمى الحزب الحاكم منذ عام 1991 ؛ فهي لم تغير يوما إلا اسم الحزب حسب الحاجة !
لاشك أني كنت من الجنود المجهولين المستقلين في حملة غزواني الرئاسية ؛ ولا شك اني أثق بخبرة الرجل وصدق نواياه في تنفيذ إصلاح سياسي واقتصادي وخدمي شامل ؛ لكن حجم الضبابية السياسية الذي غلب على الاشهر القليلة السابقة من حكمه ؛ وطريقة التعاطي السياسي مع الوضع يجعلني أشعر بقلق شديد على حلمنا كلنا بنهضة شاملة ؛ مالم يبارد غزواني لاستعادة زمام المبادرة ؛ وهو قادر على ذلك بعون الله .
سلم الله الوطن من كل مكروه
-الكاتب والشاعر عبد الله ولد بونا