ارحل يا ولد عبد العزيز.. ضرورة التغيير و خطر التفتيت !
كثيرة هذه الأيام فى موريتانيا، المقالات المنشورة فى هذه الصحيفة الإلكترونية أوتلك التى يتحدث أصحابها عن إمكانية ان يقلد الشعب الموريتاني الشعبين التونسي والمصري ويخرج إلى الشارع بنفس الطريقة التى خرجا بها للمطالبة برحيل الرئيس محمد ولد عبد العزيز .
ودون ان نغوص فى الفوارق بين النظامين المنهارين فى مصر وتونس الذين حكما لأكثر من عقود والنظام فى انواكشوط الذى لم يحتفل بعد بعامه الثاني وبين الشعبين التونسي والمصري وما يطبعهما من تجانس أصيل ومحكم قل نظيره فى الوطن العربي والشعب الموريتاني المهدد فى وحدته الوطنية مدعومة بجغرافيا لن ترحمه فى حال انهار الإستقرار أو شل الأمن .
رحل زين الدين بن على وسيطر الجيش .. ثم رحل محمد حسني مبارك وسيطر الجيش .. ومصر وتونس متماسكتان لا خوف عليهما بعد غياب الطاغيتين فهما التهديدان الوحيدان الذان كانا يهددان مستقبل البلدين ، ولا خوف من انزلا قات وتداعيات اجتماعية خطيرة مثل التى تهدد موريتانيا فى حال وصلت عدوى التجربتين .
نعيد طرح السؤال بشكل آخر .. هل من المعقول أن نقارن النظام السياسي في موريتانيا بأنظمة الدول التي شهدت أو تشهد حاليا ما يعرف بـ”الثورات”؟ وهل من الضروري أن يقلد الشعب الموريتاني الشعوب العربية ” الثائرة” في هذا النوع من التغيير السياسي؟.
إن أي متأمل موضوعي في الحقل السياسي الموريتاني لا يمكنه إلا أن يسجل أن موريتانيا تغيرت كثيرا خلال الخمس سنوات الماضية ، وهذا التغيير تجلى سياسيا من خلال تعميق درجة الانفتاح على الدولة وحالة المكاشفة بين المواطن والنظام ولا يوجد فى موريتانيا من يحاسب الإعلام ان هو كشف مستورا أو تطاول على مسؤول فى الدولة حتى ولو كان رئيس الدولة ، سياسات فى موريتانيا بدأت تمس البنيات التحتية الأساسية.
كما أن من الموضوعية ، الاعتراف بأن هذه الدينامية الإيجابية في مجملها تتخللها من حين لآخر مجموعة من التراجعات بل والانتكاسات ، لعل أبرز تجلياتها تقريب نظام ولد عبد العزيز لشخصيات معروفة فى أنظمة سابقة بالفساد وإفساد الحقل السياسي بحزب حاكم يتبع للنظام يحاول أن يتماهى مع الدولة مخلا بالتدافع السياسي الشريف،إلى ذلك فإن المنجزات الاجتماعية والاقتصادية تبقى دائما على أهميتها دون سقف طموحات الشعب التي تتزايد يوما عن آخر، ثم وأخطر من ذلك كله فساد قطاع القضاء فى البلاد والتدخل فى عمله.
والسؤال الذي يتبادر إلى الذهن في هذا المستوى من التحليل هو من يتحمل المسؤولية عن هذا”الوضع المتردي” ، هل الدولة أم الفاعلين السياسيين والمدنيين أم هما معاً؟
قد لا يكون من المبالغة في شيء إذا تم التأكيد بأن هذه الأطراف كلها تتقاسم نفس القدر من المسؤولية على ما آلت إليه الأوضاع في بلادنا، والدليل على ذلك أن السلوك السياسي للموريتانيين أفرادا وهيئات تحكمه بالأساس ثقافة سلبية لا ترى في العمل الجماعي والتطوعي إلا مطية وجسراً نحو تحقيق المصالح الشخصية ومراكمتها وتحصينها.
والخطير في الأمر أن هذا السلوك ولد حالة من الفساد الأخلاقي والسياسي والإداري، بحيث لا نكاد نقتحم هيئة أو جمعية أو منظمة أو إدارة حتى ترتسم أمامنا معالم واضحة للفساد حتى عند أكثر الناس تشدقا بالديمقراطية والشفافية والدفاع عن المصلحة العامة.
ومن هنا فإن الإشكال العويص الذي تعانيه موريتانيا هو كون الفساد أصبح “جزء من هوية المواطن ” وحالة ذهنية معممة طبعا مع وجود استثناءات تزكي القاعدة، وبتعبير آخر فإن مشكلتنا هي مع “الديكتاتوريين الصغار” الذين ينتشرون في مختلف المواقع، وهنا يكمن الفرق الكبير بين موريتانيا ومصر أو تونس مثلا .
لقد كان واضحا أن الفساد في البلدين العربيين الشقيقين تركز لمدة عقود في الحاكم ومحيطه وذراعه الحزبي، ولذلك كان سهلا على الجماهير التونسية والمصرية أن ترفع شعار “إرحل” لأن المستهدف واضح والبديل ولو على المدى القصير معروف و جلي وهو الجيش وقد حكم بالفعل فى الدولتين ، أما في موريتانيا فالجيش حاكم وان تحت الظل ! فمن تراه سيكون البديل ، خصوصا إذا علمنا أنه لا يمكن مطلقا فى مثل هكذا ظروف الإستغناء عن المؤسسة العسكرية بصفتها صمام الأمان وضامنة الدوام والاستمرارية، أما باقي المكونات فربما تكون جميعها معنية بالرحيل بما فيها شخص ولد عبد العزيز إذا كان فى رحيله خدمة لقضية وطنية وهو ما يستحيل على الأقل فى الوقت الراهن ، ما يعني عمليا استحالة استلهام النموذجين التونسي والمصري في التغيير السياسي.
ولذلك فان المزاج العام للموريتانيين المتسم عادة بالهدوء لا يحتاج ان هو أراد التغيير لاستدعاء تجارب بعيدة عن واقعه ، فتاريخ البلاد فاض بتجارب من التغيير جعلت موريتانيا البلد الأول فى العالم من حيث تغيير الحكام فى الخمسين سنة الماضية !.