مقالات

الجزيرة : صوت الشعب / محمدعالي الهاشمي

أثارت قناة الجزيرة منذ إنطلاقتها الجدل لكنها لم تثر من قبل ما تثيره اليوم ولعله من المناسب أن نذكر بعض الأسباب التى سببت ذلك الجدل :
عندما أطلق القطريون قناة الجزيرة كانوا يأملون منها أن تحرك مياه راكدة يدركون جيدا صعوبة تحريكها لكن قوة عزيمتهم وبعد بصيرتهم وتحليهم بإرادة لا تعرف المستحيل جعلتهم يقدمون على هذه الخطوة التى كان لها ما بعدها.
فقد أسعدت هذه الخطوة الشعوب العربية التي وجدوا فيها ضالتهم فقد وفرت لهم منبرا يعبرون فيه عن آرائهم ويتنفسون من خلاله من الضيق والكبت الذي يعيشونه , هذا فيما يخص الشأن الداخلي العربي أما فيما يخص الشأن الخارجي فلم يكن أقل أهمية فقد مثلت الجزيرة الكتيبة الأولى فى الدفاع عن القضايا العربية والإسلامية وفي مقدمتها القضية الفلسطينية , فقد عرت الجزيرة زيف الدعاية الإسرائيلية ونقلت للعالم المجازر الصهيونية بجرأة ومهنية عاليتين وفي العراق لعبت الجزيرة – أيضا – نفس الدور ودفعت في ذلك أثمانا باهظة واستشهد مراسلها طارق أيوب كما استشهدت مراسلتها السابقة أطوار بهجت وقبل ذلك لم يختلف الوضع في أفغانستان حيث قصف مقر الجزيرة ثم أسر مراسلها تيسير علوني وفي كل مرة يرتفع مؤشر تقدير الجزيرة فى قلوب الشعوب العربية والاسلامية كما يرتفع مؤشر كراهيتها لدى اللوبي الآنجزوساكسوني وأعوانه في المنطقة العربية وهو أمر وصل لحد تفكير الرئيس الآمريكي بقصف مقرها الرئيسي بالدوحة لولا أن صديقه توني ابلير أثناة عن ارتكاب تلك الحماقة .
خلال تلك المرحلة بلغت “شعبية” الجزيرة فى الشارعين العربي والإسلامي قمتها إضافة إلى كون أصحاب المصالح الضيقة من الإعلاميين والكتاب وغيرهم لم يكونوا ليقفوا في وجه غالبية الشعب العربي التى تعتبر الجزيرة نبض الأمة بحق ومن يعاديها فإنما يعادي الأمة العربية فسكتوا حفاظا على مصالحهم الضيقة ولجأوا مع أسيادهم الى محاولة ايجاد بدائل عن الجزيرة فأنشئت قنوات قالوا عنها مستقلة لكن محاولاتهم تلك باءت كلها بالفشل.
خلال السنوات القليلة الماضية بدأت الجزيرة فعلا تحقق هدفها من خلال تحريك مياه الظلم والإستبداد الآسنة فاستشعر الإستبداديون خطورة الجزيرة على كراسيهم فبدأ مسلسل المضايقات وغلق المكاتب إلا أن الوقت قد فات ومن حسن حظ الشعوب العربية أن الإعلام البديل ومنه مواقع التواصل الاجتماعي قد أخذت بزمام المبادرة ولم يعد يجدى معها غلق مكاتب الجزيرة ولا غيرها من وسائل الإعلام الحرة فلجأت هذه الأنظمة الى تشويه صورة الجزيرة إلا أن نجم الجزيرة كان قد سطع ولم يعد بالإمكان أن يغطى .
بعد انطلاق الثورات العربية بدأت الجزيرة تفقد البعض ممن كانوا يناصرونها أو على الأقل لا يعادونها وهذا أمر جد طبيعي فهم كانوا معها عندما كانت تتكلم عن شأن خارجي أو لا يمس مصالحهم بصفة مباشرة أما وقد بدأت بعض الأصنام تتساقط فإن الأمر تغير فلا شك أن أنصار تلك الأصنام أو المستفدين منها يرون أن الجزيرة هي السبب فى فقدانهم تلك النعمة وبالتالى صبوا جام غضبهم عليها , وكل من تسببت الجزيرة فى فقده لمصلحة معينة أو تسببت فى إزالة نظام يؤيده من الطبيعي أن يغادر معسكر المؤيدين لها .
يخطئ من يتصور أن الموضوعية تعنى أن تقف الجزيرة نفس المسافة من الظالم والمظلوم , فكما أن مدير شبكة الجزيرة وضاح خنفر قال مرة “إن الموضوعية لا تعنى أن تقف الجزيرة من اسرائيل فى نفس المسافة التي تقفها من الشعب الفلسطيني ” فإنه ليس من المنطقي أيضا أن تقف الجزيرة من نظام دكتاتوري يقصف شعبه بالطائرات ويستخدم الأسلحة المحرمة دوليا إضافة لقتله الصحفيين ومن بينهم عاملين بالجزيرة , ليس من المنطقي – إذا – أن تقف منه نفس المسافة التى تقفها من شعبه الأعزل لتوفر بذلك منبرا قويا لذلك الطاغية وهو الذي يملك السلاح والمال بالإضافة إلى آلته الدعائية وكل ذلك ملك للشعب ويستخدمه ذلك الطاغية ضده , فلا يمكننا أن نصف – اذا – الجزيرة بأنها “عربية” أو حتى “إنسانية” إن هي فعلت ذلك , والإنسانية قبل “الموضوعية” حتى ولو اعتبرنا تلك هي الموضوعية, وما هي بذلك . تلك نقطة غابت عن بعض مناصري الجزيرة فظنوا أن الموضوعية تقتضى بالضرورة الوقوف في نفس المسافة بين أي طرفين وبالتالى عندما لم تقم بذلك إنسحبوا عنها فغابت عنهم فكرة وهي أن الجزيرة في حقيتها صوت الشعب العربي وحيث ما تكون مصلحته تكون .
وقبل الختام يجب الإشارة إلى أن إستقالة بعض رموز الجزيرة هو أمر طبيعي وهم في غالبيتهم إما إعلامي أرغمته ظروف بلاده على العمل في الجزيرة ولما زالت تلك الظروف فضل العودة لوطنه والعمل فيه بشكل مستقل أو آخر مرتبط بنظام معين إما عن قناعة أو مصلحة فلم تعجبه تغطية الجزيرة للثورة عليه وعلي الجزيرة ألا تستبعد زيادة عدد الإستقالات كلما زاد تساقط الأصنام وارتفع صوت الشعب المطالب بإزاحة هذه الأنظمة المستبدة, والجزيرة فى النهاية نتاج بشري تبقى إمكانية النقص فيه واردة لكنها تبقى صوت الشعب بحق وأفضل الموجود بدون منازع رغم كل الحملات التي شنت عليها ومحاولات المنافسة و التى باءت كلها بالفشل
.

محمدعالي الهاشمي : كاتب وناشط سياسي موريتاني
elhachimmi@yahoo.fr

مواضيع مشابهة

أضف تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

Back to top button