مقالات

متى تتخلى النخبة عن مصالحها الذاتية من أجل الوطن محمد ولد الشيخ

الكتابة عن الشأن الموريتاني عملية مسلية ولكنها صعبة في نفس الوقت فهي أشبه بحل الكلمات المتقاطعة حيث يفرح الشخص بقرب إيجاده لكلمة السر ولكنه فجأة يدرك أن فرحه في غير محله حيث لايوفق في إيجاد كلمة السر مما يجعل جهوده تضيع هباء ويعود فرحه إلى شعور بالعبثية والحنق الذي قد يجعله يمزق الورقة بعصبية ! ووجه الشبه هنا أن المتابع لهذا الشأن المتغير لايستطيع أن يحسم أمره وهو يحلل المشهد فالمعارضة قابلة لأن تكون موالاة والموالاة غير متجانسة وهي غير واضحة المعالم لايجمع بينها رابط إيديولوجي يوحد بينها بقدر ماتربتط بمجموعة من المصالح غير المتشابكة في كثير من الأحيان مما يجعل أي جزء منها قابلا للخروج بشكل غير منسق عن الأجزاء الأخرى ! وبين المشهدين هناك من يحرك الخيوط وفق مصالحه فنجده يستخدم الإصلاح ومكافحة الفساد متى كان ذلك في مصلحته الآنية فلايتورع عن إلصاق تهم الفساد بهذا الشخص أو ذاك وفجأة نجده يستقبله ويعقد معه الصفقات ويضمه إلى حاشيته ( فضيحة الأرز وصاحبها ) العائد إلى حظيرة المقربين ! ومن الغريب الذي لا أعتبره محض صدفة أن الرجل في كل مرة يوفق في اللعب على خلافات قادة المعارضة الذين يسعى كل منهم لتصدر المشهد واقصد هنا رئيس البرلمان الحالي ورئيس حزب التكتل حيث استطاع الرئيس عزيز أن يلعب على الرغبة الدفينة لدى كل من الرجلين في تصدر المشهد السياسي لصالحه ! حيث وظف تلك الرغبة لدى زعيم التكتل في بداية الانقلاب على ولد الشيخ عبد الله فقرب التكتل واستطاع بذلك التقريب تجاوز العاصفة والتقاط أنفاسه رغم انه وجد عاصفة غير مسبوقة من الرفض الذي تزعمه رئيس البرلمان الذي ترد أنباء عن تقريبه حاليا لمواجهة عاصفة الاحتجاج المتنامية من قبل فئات الشعب المختلفة ، وفي كل مرة يجد من يرتمي في أحضان النظام عذره لذلك الارتماء ، والحقيقة أن عقدة الرجلين التي أثرت على المشهد الموريتاني على الأقل منذ مابعد الرئيس الأسبق ولد الطايع هي أن كلا منهما لايطيق الآخر ولايجد فيه مزية تدعوه للبقاء إلى جانبه حتى ولو كانت تلك المزية تستحق التحالف بينهما ليأخذ أحدهما الرئاسة والآخر المنصب الثاني ! فكلاهما يجد في رأس النظام بغض النظر عن سوءاته بديلا أفضل عن صاحبه ! ومادام الأمر كذلك سيظل صوت المعارضة مجرد صرخة في صحراء لن يسمعها إلا صاحبها وصدى صوته الذي لايتعدى حاشيته المقربة ، وهذه الحقيقة عرفها الرئيس عزيز وهي ليست من الغموض بحيث تتطلب ذكاء خارقا فلعب عليها ووظفها لصالحه ولن يكون مستغربا أن نجد أنصار الرئيس مسعود يتبوؤون مناصب في الصف الأمامي خلال الأيام المقبلة كما فعلها قبله الرئيس أحمد عندما قبل أن يوظف بعض أنصاره في بداية الحقبة العزيزية ، هو نفس الكأس الذي نعاني نحن تجلياته في شكل احتقان يومي لايؤدي إلى نتائج تصب في مصلحتنا بل إنه يتسبب في إبقاء معدلات الفقر في اتجاه تنازلي ويبقي المرافق الصحية معطلة ، والتعليم في حالة نوم سريري ! ولذلك فإن الخطوة الأولى التي ينبغي على النخبة السياسية الموريتانية وفي طليعتها الشباب الطامح إلى التغيير هي تغيير المشهد على مستوى المعارضة بحيث يتم اختيار الصف الثاني من قادة المعارضة لتصدر المشهد بدلا من سجال ثنائي شخصي بين رئيس البرلمان ورئيس التكتل ، هذه الخطوة هي المقدمة لأي تغيير حقيقي وبدونها سيظل عزيز وغيره ممن توصلهم أقدارهم إلى التحكم في رقابنا يسوسونا العذاب مستفيدين من تناقضات المشهد السياسي ومصالح من يدعون أنهم خير من يدافع عنا في حين أنهم بالفعل ابعد الناس عن ذلك بفعل تناقضاتهم الذاتية ومصالحهم الآنية التي تجعلهم غير قادرين على تنحيتها جانبا ولو للحظة تاريخية تستدعي ذلك بكل المقاييس والوقائع .

والخطوة الثانية التي ينبغي أن تكون حاضرة في أذهان من يتحدثون عن تغيير الواقع هي إبعاد فكرة امتطاء أحلام الشارع ورغباته في التغيير للحصول على مكاسب آنية لأن ذلك الأسلوب قد استهلكه بعض القوميين والحركات الأممية خلال حقبتي السبعينات والثمانينات ولم يعد مقبولا اليوم والمقصود هنا بعض الشباب الذين يقودون التظاهر للفت الانتباه من أجل التعيين ! فالشعب قد أصبح أكثر وعيا بمصالحه وعلى من يسعى في ذلك الاتجاه أن يفهم أن المؤمن لم يعد قابلا للدغ من الحجر عشرات المرات مهما كانت المبررات والأحاديث من هذا الطرف أو ذاك ، وباعتقادي أن من يمسك الحكم اليوم إذا عجز عن استمالة النخبة المتحكمة والشباب الثائر فلن يكون بمقدوره البقاء طويلا بعيدا عن تحقيق طموحات شعبه القليلة وهي في مجملها طموحات خدمية لاتتطلب غير إرادة جادة يساهم فيها جميع الأطراف بتجرد بعيدا عن استحضار المصالح الشخصية واستخدام المواطن الموريتاني كوقود للحصول على منصب رفيع وجيب منتفخ !.


مواضيع مشابهة

أضف تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

Back to top button