من المشاهير من لم يظهر في التلفاز ولم يركب طائرة/ عثمان ولد بكار
رغم اختلاف الوسائل وما طرأ ويفرضه الواقع تمشيا مع صيرورة الزمن واستفادة مما أتاحه التقدم العلمي والتكنلوجي حيث السهولة في البحث والإتصال فإنه يوجد من البعض من تمكن من الوصول واستطاع التألق والبلوغ على الرغم من المسخرات التي استغلها أقرانه وساعدتهم في سلك أقصر الطرق وأسهلها
إنه العالم الجليل الورع الفضيل الزاهد في الدنيا رغم كل المغريات والفرص المتاحة إنه لمرابط الحاج ولد فحفو منبع العلم والعطاء ومورد يرتاده طلاب العلم من كل مكان رغم وجود العديد من المنابع العلمية والتي لا يتكلف واردها عناء السفر إلى تكانت وسلك الطرق الوعرة المؤدية إلى منطقة [لحصيرة] حيث لمرابط فكيف تمكن لمرابط الحاج ول فحفو من أن يكون في مقدمة مشاهير علماء العالم الإسلامي رغم أنه لم يسكن مدينة ولم يظهر في التلفاز ولم يسجل شريطا ولم يركب طائرة
فمن هو العالم الجليل الحاج ولد فحفو :
يعتبر من أعلم هذا البلد مع الزهد الكبير في الدنيا وقد تخرج عليه عدد كبير من العلماء الكبار من بينهم محمد يحيى بن الشيخ الحسين وأحمد فال بن أحمدن ومحمد الأمين بن عبد الرحمن الملقب حدمين وغيرهم من العلماء. تتلمذ على يد هذا المرابط العديد من الشخصيات الإسلامية الهامة مثل الداعية الأمريكي حمزة يوسف وبعض الطلاب الذين أتو من خارج موريتانيا للدراسة عنده.
قال عنه أحد العلماء : العلم في الناس كثير إلا أن ورع الحاج بن السالك مفقود في غيره. فيه ملك لطلاب العلم ورواد المعرفة، فهو يجلس مع طلابه في المسجد بعد صلاة الفجر إلى أن ترتفع الشمس قيد رمح فيصلي الضحى في المسجد ثم ينتقل بهم إلى خيمة بنيت على تل من الكتب فيجلس في ظل أول النهار فإذا تقلص عنه الفيء انتقل معه إلى مكان آخر وهكذا إلى أن تتوارى في الحجاب لا يشغله عن التعليم إلا أداء الصلوات في أوقاتها أما الليل فغالبا ما يجلس في فناء الخيمة مع طلابه إلى أن يذهب الثلث الأول فينام الثلث الثاني ويستيقظ ثلث الليل الأخير فيصلي صلاة الشفع والوتر أو ما شاء الله منها ثم يضطجع يقرأ القرآن إلى الفجر ولا أظن أن أحدا استيقظ آخر الليل إلا وسمع قراءته للقرآن ولهذا فهو يقول :
يا نفس قومي فارعوي وانزجري وفجأة الحمام منها فاحذري
ولذة الدنيــا جميعا فاهجري لاسيما الهجوع وقت السحر
علما أنه لا ينام النهار إلا قليلا أو لا ينام بسبب طلاب العلم وإلحاحهم عليه فإذا وفد عليه الكرى جلس وتحامل على نفسه حتى يصدر طلاب العلم هكذا هو في يومه وليلته لا يفعل شيئا إلا تدريس العلم ولا يخطو خطوة إلا بين المسجد والخيمة قيل له يوما : لم لا تتحرك فإن الجلوس يضر بصحتك فرد قائلا : إن رياضتي في تدريس العلم وقد كان مع زهده وورعه وعزوفه عن الدنيا محبا للأدب واللغة العربية وكان يتفاعل مع الشعر الجيد ويتأثر به كثيرا. ومن المعروف عنه اتباعه للسنة وكراهيته لمحدثات الأمور وقد أتى ببطلان الصلاة خلف كل ذي بدعة إلا أنه مع ذلك ما سمعه أحد يذكر أحدا معينا بسوء ولا فريقا من فرق الإسلام بشيء وإذا عرض أحد في مجلسه بعالم من العلماء يخالفه الرأي أو اتهمه في دينه أعرض عن الحديث وسكت عن الكلام ومن عجيب أمره أنه يكون مع جلسائه مثل الشاهد الغائب فهو معهم إذا كان الكلام في أمور الآخرة وأما إذا كان الحديث عن الدنيا فإنه يرحل من بين أيديهم ويشتغل بذكر الله تعالى أو قراءة القرآن كأنه دائما يعمل بقول الله تعالى (قل الله ثم ذرهم في خوضهم يلعبون) وكان في أكله وشربه كما قال أبو الطيب :
شرابه النشح لا للري يطلبه وطعمه لقوام الجسم لا السمن
أي أن حياته كلها لله فأكله وشربه لله ونومه ويقظته لله وحزنه وفرحه لله، ولذلك فقد نشر الله له القبول بين الناس فليس له حساد من العلماء ولا أعداء بين الجهال وطلابه يعرفون بالسمت الحسن وتلوح عليهم دلائل الصلاح وقد تخرج على يديه خلق كثير من العلماء والفقهاء والفضلاء من أشهرهم : محمد يحيى بن الشيخ الحسين تعالى وكان عالما فضلا متقنا للأصول. ومحمد الأمين بن عبد الرحمن عالم جليل وهو ابن عم المؤلف ورفيق دربه يعلم في محضرته ويخلفه في الصلاة. وأحمد فال بن أحمدن له محضرة خاصة به وهو من أفاضل العلماء وأكابر الصلحاء. وللمؤلف تآليف نافعة وكلها مخطوطات وهي : شرح لألفية ابن مالك وشرح للمقصور والممدود لابن مالك أيضا وشرح لقصيدة كعب بن زهير (بانت سعاد) ورسالة سماها (لباب النقول في متشابه القرآن وأحاديث الرسول) وشرح للشرنوبي بالإضافة إلى هذا الكتاب الذي بين أيدينا. أما كرمه وجوده فهو كما قال القائل :
إنا إذا اجتمعت يومــا دراهمنا ظلت إلى طرق المعروف تستبق
لا يألف الدرهم المضروب صرتنا لكن يمر عليهــا وهو منطلق
وكانت تأتيه هدايا كثيرة فيفرقها أيادي سبا بين ذوي القربى والغرباء من طلاب العلم ومحاويج البلد. على أنه لا يرد سائلا أبدا فيعطي من يستحق ومن لا يستحق وشيمته أن يدفع للأجير بغير حساب فيعطيه أكثر من حقه أضعافا كثيرة وعهدي بماله وليس هذا من باب المدح أو الإطراء إنما هو جزء من حقيقة الشيخ وغيض من فيضه يعرف ذلك من يعرفه.
[عدل] مؤلفاته دليل الطلاب على ما قصدوا من ظاهر الإعراب
تنوير الحوالك على ألفية ابن مالك
إفادة القارئ والسامع على الدرر اللوامع في مقرأ نافع
شرح المقصور والممدود
لباب النقول في متشابه القرآن وأحاديث الرسول صلى الله عليه وسلم