العازفون على أوتار الحصار
بقلم: سيدي محمد ولد محفوظ
ما كنت اصدق أن المناوئين للتصحيح والرافعين لشعار عودة الرئيس السابق، يمكن ان تذهب بهم مواقفهم السياسة بشكل جدي للتواطئ مع الأجنبي وتحريضه علي تجويع وحصار شعب ووطن، كان يعتقد فيهم الحرص علي مصالحه والذود عنه في السراء والضراء، وكان من المفروض كذلك انهم علي وعي بخطورة استدراج القوي الاجنبية للانغماس في شؤنه الداخلية، الان تحركات هؤلاء الذين يذرعون العالم غربا وشرقا، شمالا وجنوبا، لاستعطاف الدول الخارجية للضغط علي السلطات الوطنية الحاكمة، وإحكام الحصار علي شعب بأكمله، بحجة مصلحة شخص واحد، ليعود إلي كرسي الرئاسة، وليمكن لهم مرة اخري علي طريق النهب والتحكم في مصائر شعب، جوعوه وانشغلوا عن همومه باحزابهم واسفارهم وصفقاتهم المالية الخاصة، عندما كانوا في مواقع القرار والنفوذ، كل ذلك قد يؤكد مما لا شك فيه ان الشعب الموريتاني الذي لم ينجز له النظام السابق أي انجاز معتبر علي الأرض، والذي لم يعرف في عهد حكمه غير الكوارث والأزمات.. قد أصبح اليوم بأغلبيته الساحقة في مواجهة مفتوحة مع من يسعي لمضرته وتعقيد مشاكله، وقد يعلم الجميع وعلي مر التاريخ ان كل من راهن في معارضته السياسية او العسكرية للحلول الخارجية، كان مصيره التعثر، أو جر أوطانه للقلاقل والحروب، في ظل مطامح الكثير من الدول وسياساتها المفتشة دوما عن منافذ للدخول منها عبر بؤر التوتر لتفرض اهدافها وتستفز من خلالها، لتحقيق مصالح خاصة من اجل بسط السيطرة والنفوذ علي الآخرين، صحيح أن الإنسان يتوق بطبعه للحرية، وان الديمقراطية مطلب جماهيري قديم، لكن ماهي هذه الدمقراطية؟ هل هي تلك التي تاتي علي ظهور الدبابات وعبر برك الدماء والتناحر..؟ ام هي التي تكون في ظلها جماعات الموالاة السياسية والحزبية القليلة، تطوف بالحاكم وتتقاسم معه المال العام والجاه والقوة..، ولا حول لبقية الجماهير ولاقوة ولا خيار الا التسليم والاستسلام للجوع والبطالة والمرض.. والتهميش، حتي لو كان الحاكم منتخبا كما يقولون، لكن عندما يتجه الي حكم شخصي ويقرب الاقرباء ويعمل في اتجاه خاطئ ، متحايلا أو معطلا للنظم والقوانين ومنكمشا علي محيطه السياسي الضيق، وكآن الجميع قد فوضه للعمل كما يشاء، ودون حدود او موانع معتقدا الدولة ملكا له ولحاشيته، فعند اذن لا تسئل عن الدمقراطية التي ترمي للمساوات والعدالة والانضاف..
وحالتنا اليوم في موريتانيا كان بالامكان ان نحل فيها مشكلتنا بأنفسنا دون وسيط او وصاية من أي كان، لو أن بعض جماعاتنا السياسية لم تمانع وترفض أي حل او حوار، إلا بعودة الرئيس الذي أطيح به على إثر أزمة سياسية خانقة كادت تعصف بالبلاد، والجميع يدرك أنه في الغالب الأعم، وعلى بساط المعمورة لم يسجل عبر التاريخ عودة رئيس مطاح به عسكريا إلا في حالة نادرة وعبر تدخلات خارجية بالقوة العسكرية،فهل نقبل لموريتانيا أن تكون موطنا لإنزال بري أو بحري لقوات أجنبية أيا كان مصدر تلك القوات؟ ولماذا لا يقبل المعارضون للانقلاب بالحوار الذي دعت له السلطات الحالية من أجل حل موريتاني صرف يبعدنا من شبح التدويل والتجاذبات الأجنبية؟
ومع ذلك وحتى ولو فشلت المحادثات مع الاتحاد الأوربي، وأطبق الحصار على البلاد، فإن الكل سيتضرر منه في موريتانيا سواء كان من الداعمين..، أو المناوئين المزمرين الآن للمواقف الخارجية الملوحة بالحصار، أما إذا رحل هؤلاء بتأشيرات خاصة أو منح للجوء في الدول الغربية، فإن الشعب الموريتاني كشعب صحراوي مكابد لن يكون من الصعب عليه الصمود والمقاومة والتضحية، وهو الشعب المتمرس على الشدائد والصعاب..، وقد عاش على هذه الأرض عشرات القرون دون عون خارجي أو عطاءات ممنونة من أي أحد.
فهل سيستبين المناوئون رشدهم قبل فوات الأوان، ويقبلون بالحوار الذي لا حل دونه في أي أزمة؟
ذلك ما نتمناه كما نتمنى على السلطات الحالية أن تسعى بكل جهد مستطاع لاستمالة هؤلاء نحو التفاوض الذي لا مفر منه في نهاية المطاف.
سيدي محمد ولد محفوظ
صحفي وكاتب Mahfod1@maktoob.com