مقالات

لماذا تريد “فرنسا” إقامة قاعدة عسكرية عندنا..؟

كشفت وزارة الدفاع الفرنسية فى شهر أغشت الماضي عن خطة جديدة لإعادة انتشار قواتها المرابطة في بلدان الساحل الأفريقية أطلقت عليها اسم “خطة بركان” التفرغ لمحاربة الإرهاب المتنامي في منطقة تمتد من موريتانيا وحتى دارفور.

الخطة الفرنسية جاءت بعد عملية “سيرفال” التي أطلقتها القوات الفرنسية في مالي بناء على أوامر الرئيس فرنسوا هولاند لمنع منظمات متشددة متحالفة مع طوارق مالي من النزول من مدن الشمال التي وضعت يدها عليها سابقا نحو العاصمة باماكو، وتحويل كل هذا البلد المترامي الأطراف إلى قاعدة جهادية تحت سيطرة القاعدة في بلاد المغرب الإسلامي ومجموعة أنصار الدين وموخاو.

ولقد نجح جنود الفرقة الأجنبية الفرنسية وفقًا للشرق الأوسط، المرابطون في المنطقة وفرق أخرى مدعمة بغطاء جوي في جبه المنظمات المتشددة لا بل في إخراجها من مدن شمال مالي بحيث أتيح المجال لمجيء قوات دولية غرضها ضمان الأمن ومساعدة الحكومة المالية على فرض سلطتها.

لكن تبين لاحقا أن هزيمة عام 2013 لم تمنع هذه المنظمات من إعادة تجميع صفوفها مستفيدة بشكل رئيس من غياب الدولة الليبية. وفي الأشهر الأخيرة عادت بعض المجموعات إلى شمال مالي وقامت بعمليات عسكرية استهدفت القوة الدولية التي خسرت الكثير من أفردها من التشاديين والنيجيريين لا بل إن القوة الفرنسية تعرضت لعمليات انتقامية واستهدفت أكثر من مرة. وتؤكد مصادر فرنسية دفاعية أنه «كان على فرنسا أن تتحرك».

وقال وزير الدفاع جان إيف لو دريان الذي زار أمس السنغال ومالي متحدثا عن هذه المجموعات والتنظيمات المتشددة إنه «لا يتعين ترك الشر يعود” إلى الميدان. وأضاف لودريان: “هناك مسؤولية تترتب على فرنسا ولذا فإن الرئيس هولاند تعزيز وجودنا في شمال مالي”.

بيد أن الخطر ليس محصورا في شمال مالي بل هو أوسع من ذلك. وبحسب مصدر دفاعي فرنسي تحدث إلى مجموعة صحافية بينها “الشرق الأوسط” أول من أمس، فإن “المخاطر الإرهابية” تشمل كامل المنطقة المسماة الشريط الساحلي، الذي ينطلق من موريتانيا ويضم شمال مالي والنيجر وتشاد وجنوب ليبيا وصولا إلى حدود السودان.

ويضيف المصدر الفرنسي المسؤول أن الجنوب الليبي «تحول إلى بؤرة تؤوي قادة المنظمات الجهادية الإرهابية» كما أصبح «مستودعا للسلاح والذخيرة والمحروقات» فضلا عن أنه «ممر لكل أنواع التهريب من المخدرات والسلاح والعتاد والرجال».

وتعول باريس، في حربها على الإرهاب في هذه المنطقة التي تشمل 5 بلدان أفريقية على «خطة بركان» التي تتشكل من 3 آلاف رجل منتشرين في 5 قواعد عسكرية أهمها في بوركينا فاسو حيث مقر القيادة. وتنوي باريس رفع هذا العدد إلى 4 آلاف. ويدعم هؤلاء سرب من المقاتلات الحربية (ست طائرات) وعشرون طوافة و200 عربة مدرعة و4 طائرات من غير طيار وجملة من التسهيلات والأعتدة والخدمات اللوجستية المصاحبة.

وللرد على التهديدات الجديدة، أخذت باريس بتأهيل قاعدة عسكرية تسمى «ما داما» تقع في قلب «المثلث الساخن» الذي يشكله تلاقي الحدود الليبية ـ النيجيرية ـ المالية. وتقع القاعدة الجديدة التي سيكون بمقدورها استقبال الطائرات الفرنسية الحربية داخل الحدود النيجيرية وبموافقة حكومة باماكو على بعد 100 كلم من الحدود الليبية.

وتعول باريس على إمكاناتها الذاتية والوسائل المتوفرة لها أو بالتعاون مع الفرقاء الغربيين وعلى رأسهم الولايات المتحدة الأميركية من أجل مراقبة الحدود الليبية. وتشير المصادر الدفاعية الفرنسية إلى أن العملية التي قامت بها القوات الفرنسية ليلة 10 أكتوبر (تشرين الأول) شمال النيجر استهدفت قافلة من الأسلحة المقبلة من ليبيا متوجهة إلى مالي لصالح القاعدة في بلاد المغرب الإسلامي.

وبحسب باريس، يتعين على القوات الفرنسية أن تمنع المنظمات الجهادية من إعادة التموضع وبناء قواعد جديدة وعرقلة تحركها. بيد أنها تعترف بصعوبة فرض الرقابة على مساحات شاسعة للغاية على منظمات تعرف أن تتنقل ليلا وأن تتماهى مع طبيعة الأرض.. وتتوقع المصادر الدفاعية أن تكون القاعدة الجديدة جاهزة للاستعمال في «الأسابيع المقبلة».

وهناك سؤال مطروح في الأوساط الفرنسية ومع شركاء فرنسا الأوروبيين والأميركيين ولكن كذلك مع البلدان الـ5 المعنية. وبالنسبة لباريس، فإن استقواء المنظمات الإرهابية التي سبق لها أن خطفت الكثير من المواطنين الفرنسيين، يعني تهديد أمن واستقرار منطقة «استراتيجية» بالنسبة للمصالح الفرنسية السياسية والاقتصادية باعتبار أن هذه الدول كانت كلها مستعمرات فرنسية سابقة.

فضلا عن ذلك، تمتلك الأجهزة الفرنسية معلومات عن «علاقات وثيقة» بين بعض هذه المنظمات وأخرى موجودة في بلدان شمالي أفريقيا. ولذا، تعتبر فرنسا أن محاربة هذه المنظمات في عقر أفريقيا «مصلحة قومية وأمنية فرنسية».

وجاء ذبح المواطن الفرنسي هيرفيه غورديل في منطقة القبائل يوم 24 سبتمبر (أيلول) أيلول على أيدي «جند الخلافة» وهي مجموعة إرهابية جزائرية ليعيد تذكير المسؤولين الفرنسيين بأن الخطر الإرهابي قائم على الأبواب. وذهب وزير الدفاع إلى حد الدعوة لـ«تحرك» عسكري داخل ليبيا من أجل وضع حد لحالة الفوضى الضاربة هناك. وحتى الآن، ليست هناك مؤشرات على عمل من هذا النوع. لكن الأمور يمكن أن تتغير وربما كانت إقامة قاعدة عسكرية قريبا من الحدود الليبية تمهيدا له.

مواضيع مشابهة

أضف تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

Back to top button